رأي: محاولة تسميم رئيس الجمهورية حقيقة أم خيال
كما تعلمت طيلة حياتي شيئا مهما يخضع الى العلوم وهو le bon sens . والأهم من كل ذلك، ان لي مسافة نقدية على كل ما يقال حول الأحداث مع التأكيد أنني لا أنتمي لأي جهة أو أي طرف سياسي أو إيديولوجي محاولا أن أكون موضوعيا ومحايدا عند تناول المواضيع والمواقف انطلاقا من قناعاتي الفكرية وأهمها الدفاع على الوطن والجهة التي أعيش فيها.
عديد الأطراف تناولت موضوع محاولة اغتيال رئيس الجمهورية وانبرى عدد من الصحفيين وجهابذة الكرونيكارات ورجال سياسة إلى نفي العملية وحتى التشكيك فيها واعتبارها مسرحية سيئة الإخراج . وجاءت تصريحات ممثل النيابة العمومية لتؤكد أن المادة غير سامة بعد إجراء التحاليل من قبل الجهات المختصة وذهب البعض إلى اعتبار ما قيل عن إغماء أو فقدان البصر لمديرة الديوان الرئاسي غير صحيح .
في الحقيقة ليست لي إجابات دقيقة لكنني بحثت عن موضوع التسمم وبعض المحاولات وإليكم ما وجدت وما عليكم إلا استخلاص الدروس وبناء موقف حول ما يقال .
إثبات حالة التسمم لا يمكن أن تكون بصفة دقيقة في مخابر الشرطة وهذا في كل أرجاء العالم باعتبار أن رجال الأمن ليسوا مختصين في المجال ولا يملكون التجهيزات الضرورية لذلك فإثبات أن المادة مسمومة يخضع لعلم يدرس في الجامعات وهو ما يعرف بعلم السموم.
فما هو علم السموم؟
علم السموم هو تخصص علمي يهتم بدراسة المواد التي يمكن أن تضر بالجسم (المواد السامة أو السموم)، ولكن أيضًا في إدارة حالات التسمم. وبشكل أكثر تحديدًا ، دراسات السموم من خلال البحث في الخصائص الكيميائية والفيزيائية للمواد السامة و مصادرها. إضافة إلى آثار تلك المواد السامة على الجسم وعلى البيئة؛ والكشف عن المواد السامة و كيفية معالجة منه (الترياق).
أما بخصوص طرقً التسمم فهي مختلفة إما عن طريق الفم وهذا هو الطريق الأكثر شيوعا أو عن طريق الاستنشاق أو من خلال الجلد اي اللمس .و بالنسبة لأنواع طرق التسمم:هناك عن طريق الطعام؛ أو المواد الطبية. أو بالمعادن الثقيلة. أو بالغاز.
أو من خلال المخدرات أو عن طريق المنتجات الصناعية أو المحلية أو سموم الحيوانات. و يمكن أن يعمل عالم السموم في مخبر أبحاث أو مركز علم السموم أو مركز مراقبة السموم ضمن مجموعات كيميائية كبيرة أو مختبرات للطب الشرعي، علما وان عديد أجهزة المخابرات في العالم لها مراكز أبحاث متطورة جدا لتطوير مواد سامة غير معروفة في عديد الحالات او للبحث عن الترياق ضد السموم باعتبار ان التسميم هو احد اسلحة المخابرات العالمية لتصفية الخصوم
هذا بخصوص العلم. نمضي الآن إلى بعض عمليات التسمم لتصفية الخصوم والتي أشهرها تسمم الرئيس ياسر عرفات. فالرئيس الفلسطيني توفي سنة 2004 وكل الدلائل تشير إلى أنه مات مسموما حيث أصيب بألم بالأمعاء وارتفاع حرارة دون سبب يذكر ورغم مرور 8 سنوات على وفاته لم يقع تحديد نوعية السم ولا كيفية تسميمه رغم دراسات عديدة من عديد الاجهزة والمخابر مما دفع خبراء باحثون من المعهد السويسري في لوزان للفيزياء الإشعاعية الى نبش قبر الزعيم سنة 2012 وتحليل عينات من الرفات وكتبوا في تقريرهم "أن التحاليل التي أجروها تدعم باعتدال (وهنا أسطر على كلمة باعتدال) الفرضية القائلة بان وفاته كانت نتيجة لتسممه بالبولونيوم 210 والرصاص 210 فهل بعد هذا من دقة علمية؟
نمضي الآن إلى محاولات تسميم الرؤساء الأمريكيين وآخرها أوباما سنة 2013 ودولند ترامب سنة 2020 ورغم أن الرؤساء لا يفتحون الرسائل ولهم أجهزة مختصة في الإختبارات قالت الرئاسة الامريكية أن الرئيس كان مستهدفا و هذا ما دفع الأجهزة الأمنية الامريكية والكندية بمحاصرة مسكن الامرأة التي بعثت الرسالة من كندا الى ترامب وبها مادة الريسين و قام عشرات رجال الشرطة والإطفاء وعسكريين بمحاصرة المبنى وقاموا بإجلاء السكان في حين قام رجلان يلبسان أزياء خاصة مصحوبين بعسكريين اثنين للصعود إلى المبنى بحثا عن المادة ولم يجدوا شيئا . كل هذا يؤكد ان عملية تسميم الشخصيات العامة لا يمكن التقليل من شانها فهي معقدة جدا والمواد السامة ليس من السهل كشفها
بالعودة إلى موضوع محاولة تسميم الرئيس قيس سعيد لماذا لم يقع طرح فرضية وجود شخص معين هو من قام بإدخال الظرف إلى داخل القصر أو مكتب مديرة الديوان أو ليس هذا ممكنا وحتى وان كان الظرف فارغا او حتى به مادة الفارينة او السكر ألا يعد ذلك رسالة إلى رئيس الجمهورية مفادها ان المجرمين قادرون على الوصول إليه .
لا اشك لحظة في إمكانات الأمن الرئاسي ولا في صدقية الخبر لكن هذه أسئلة وغيرها لابد أن تطرح بكل مسؤولية وكل من يقدم إجابة قاطعة اما دُفع به او دُفع له.
من كان يتصور ان تغتال الموساد الشهيد الزواري بصفاقس او الطريقة التي تمت بها العملية؟ من المؤسف أن عديد وسائل الإعلام اعتبرت الحدث رغم أهميته توظيفا سياسيا وقللت من شانه مما اثر على صورة الرئيس ومس من هيبته وهي بذلك تريد أن تتلاعب بالرأي العام وتوجهه نحو وجهة معينة لتصفية الخصوم او حتى للتلهية على عديد الملفات والأحداث او العمل على التقليل من شأن هذه الجهة أو تلك.
مسكين الرأي العام.
حمى الله تونس من كل من يريد أن يكيد لها. الم يقل الرئيس قيس سعيد انه مشروع شهادة
حذار من الاستخفاف بمثل هذه المسائل الأمنية للبلاد
قد يعتقد البعض بأنها ساذجة لكن قصة الراعي والذئب تؤكد عكس ذلك.