رأي : برسيبوليس الجديدة: من يستفيد من تزييف المعارك ؟

في سياق التعمية على الفهم الوحيد الممكن لهذه المعركة، يقع تسليط الابتزاز على كل رافضي الانتصاب لحساب الغير. هذا أمر يقوم به أنصار الدستوري الحر، مثلما يقوم به أنصار النهضة وائتلاف الكرامة: الإعراض عن المعركة يعني دائما، وبالنسبة للفسطاطين على حد سواء، اصطفافا إلى جانب الأعداء. هذا كلاسيكي في خطاب الاستقطاب أيضا، وهدفه واضح جدا: منع تكون أي رأي خارج الإصطفاف وبالتالي إفساد تقاسم الميدان بين عبير ومعارضيها. سيشتد هذا الإبتزاز كلما اشتدت المعركة، وسيرضخ له كثيرون يوما بعد يوم، وسينخرط الناس أكثر فأكثر في المعركة كلما استعرت المواجهة. إن الوظيفية الحقيقية هي القيام بهذا الدور والتحمس له من مكان قصي حتى يبدو وكأنه صوت عقل وثورة في الوقت نفسه، صوت يأتي من فوق الاصطفاف. هذا الصوت هو بالذات صوت الاصطفاف وصوت الوظيفية في الوقت نفسه.

لنمسك الثور من قرنيه لمرة واحدة: هل أن المعركة التي نعيش اليوم أطوارها في شارع خير الدين باشا هي معركة من أجل الديمقراطية، أم من أجل القانون، أم من أجل الحداثة؟ هذا يتطلب بعض التفكيك الطويل. لنقل بالعجالة التي تفترضها الغاية من هذا النص أن الديمقراطية ليست مجرد رفيق طريق، وأن من يريدها يتزوجها كاملة، ويصاهر كل أهلها. هل هناك شك في أن الدستوري الحر حزب فاشي معاد للديمقراطية؟ لا، بتاتا. هذا أمر لا يحتاج دقيقة نقاش واحدة. هل هناك شك في أن حركة النهضة وحلفائها تعتبر الديمقراطية مجرد طريق يوصل للحكم وينتهي هناك؟ وأن الهدف من الحكم هو الحكم نفسه ولا شيء آخر؟ هذا أمر قد يحتاج بعض النقاش التفصيلي، ولكن التجربة أكدته منذ عشر سنوات وتؤكده كل يوم. المعركة ليست حول الديمقراطية، ولا حول الحداثة، ولا حول القانون. نفس الفرقاء يفتخرون بدوس القانون، ويصمتون عندما ينتهك، ويعتبرونه مجرد ضيف ثقيل الظل عندما لا يملكون له شيئا.

منذ عشر سنوات، يقع تكييف كل الصراعات حول محور الاستقطاب، وقد نجح الأمر في كل مرة. ما تقوله عبير وما تفعله اليوم قالته وفعلته المعارضة، ونواتها الندائية بالذات، من 2011 إلى 2014. لا جديد بتاتا. ما تجيش النهضة اليوم الناس على أساسه جربته طيلة كل الفترات السابقة، وكان تجارة مربحة على جميع رأس المال المدفوع. سيجدان في نهاية الأمر العقل الذي يقنعهما بالعمل معا. هذه هي السمفونية التي عزفت على شرف "الانتقال الديمقراطي" منذ عشر سنوات.

في الجانب الآخر من المجتمع، يزيد الشعور بالاغتراب عن هذه المعارك، ويرفع الناس أكثر فأكثر مطالبهم الصارخة والصامتة بالاحتجاج ضد فشل الانتقال الذي تركهم في سباق لا ينتهي للحاق بالخبز والعمل والكرامة، وانصرف لمعارك النخب المزيفة. ما يحصل من استقطاب هو تجديد لنفس مؤامرة الابتعاد عن طلبات الناس. ما يحصل من تزييف للمعركة الحقيقية ضد الفقر وضد انعدام العدالة وضد تفكك الدولة تحت ضغط مجموعات المصالح، هو جزء بسيط من الجهد المبذول من أجل إدامة رقصة الاستقطاب. هذا أمر ظهر بوضوح في تصدي الحكومة وأحزابها وكذلك المعارضة اليمينية الفاشية التي تمثلها عبير اليوم في الموقف من التحركات الاحتجاجية منذ ديسمبر الماضي. جميعهم في مأزق تجاه هذه الاحتجاجات التي يمكن أن ترحل بهم جميعا وتعيد تأسيس الانتقال على أسس إجتماعية. الفاشية ليست فقط في التصريح بإقصاء الخصوم من الساحة السياسية وإعادتهم للسجون، الفاشية هي أيضا الصمت على الممارسات الاستبدادية للحكومة عندما نكون فيها وعندما يخدمنا ظلمها للناس، عندما نصرح بلا حياء باستعدادنا للمشاركة في قمع الاحتجاجات المشروعة للناس.

*بقلم : عدنان منصر المدير الأسبق للديوان الرئاسي و ناشط سياسي