دربي نيوكاسل و سندرلاند: أكثر من كرة قدم… صراع هوية وتاريخ
وجدت خلال هذه المباراة واقعة مثيرة للجدل، حيث تعمدت إدارة نادي سندرلاند عدم وضع شعار أو حتى اسم نيوكاسل على لوحة النتائج الإلكترونية في ملعب "أوف لايت"
وجاء هذا التصرف كرد فعل مباشر لمحاولة تهدئة غضب جماهير سندرلاند العارم بعدما ارتكبت الإدارة خطأً فادحاً العام الماضي بالسماح بتزيين إحدى قاعات الضيافة داخل الملعب بألوان وشعارات الغريم نيوكاسل
وبدلاً من ترك القاعة كما هي، أو جعلها محايدة، قامت الإدارة بتزيين القاعة بالكامل بألوان وشعارات نيوكاسل (الأبيض والأسود) لطمس هوية سندرلاند، وشمل ذلك تغطية صور أساطير النادي واللحظات التاريخية لسندرلاند، ما اعتبرته الجماهير إهانة تاريخية وخضوعاً للخصم في عقر دارهم
ولا يُعدّ دربي تاين–وير مجرّد مباراة كرة قدم بين نيوكاسل يونايتد وسندرلاند، بل هو صراع متجذّر في عمق التاريخ الإنقليزي، تتقاطع فيه الرياضة مع السياسة والاقتصاد والهوية الاجتماعية، ليصبح واحدًا من أشرس وأقدم الدربيات في إنقلترا
تعود جذور العداء بين المدينتين إلى القرن السابع عشر، إبّان الحرب الأهلية الإنقليزية، حين دعمت سندرلاند البرلمان، بينما وقفت نيوكاسل إلى جانب الملك. ومع الثورة الصناعية، اشتدّ التنافس بين الميناءين حول تجارة الفحم وبناء السفن، ما عمّق الكراهية المتبادلة بين سكان ضفّتي نهري تاين ووير
وانتقل هذا الصراع التاريخي إلى كرة القدم مع أول مواجهة رسمية بين الفريقين عام 1898. ومنذ ذلك الحين، تحوّل اللقاء إلى مناسبة استثنائية تتوقف عندها الحياة في شمال شرق إنقلترا، حيث تُقسَم العائلات وتشتعل المدرجات بالأغاني والاستفزازات
والتقى الفريقان أكثر من 150 مرة في مختلف المسابقات، وتبادل الطرفان الانتصارات في فترات متباينة. لكن العقد الأول من الألفية الجديدة شهد تفوقًا لافتًا لسندرلاند، خاصة في الدوري الإنقليزي الممتاز، حيث فاز بـ 6 مباريات متتالية بين 2011 و2016، ما شكّل جرحًا عميقًا في ذاكرة جماهير نيوكاسل
ومن المباريات الخالدة، فوز سندرلاند 3–0 على ملعب سانت جيمس بارك عام 2014، في ليلة تحوّلت إلى كابوس للماكبايز واحتفال أسطوري للقطط السوداء
جماهير الفريقين تُعدّ من الأكثر شغفًا في إنقلترا. في نيوكاسل، يُعتبر النادي جزءًا من هوية المدينة، بينما يرى أنصار سندرلاند أن الانتصار في الدربي يعادل موسمًا كاملًا من النجاحات. ولهذا السبب، تُصنّف مباريات الدربي ضمن اللقاءات عالية الخطورة أمنيًا
ومع هبوط سندرلاند لدرجات أدنى في السنوات الأخيرة، غاب دربي تاين–وير عن الدوري الممتاز، لكن بريقه لم يخفت. بل زاد الشوق إليه، وأصبح رمزًا لحقبة كلاسيكية من كرة القدم الإنجليزية، حيث كانت الروح تتقدّم على المال
وقد تتغير الأقسام، وتتبدل الأجيال، لكن دربي تاين–وير يبقى شاهدًا على أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل مرآة لتاريخ طويل من التنافس والاعتزاز والانتماء. وعندما يلتقي نيوكاسل وسندرلاند من جديد، تعود الذاكرة، وتشتعل المشاعر، وكأن الزمن لم يتحرك خطوة واحدة.

