العاملات المنزليات الإفريقيات القادمات من جنوب الصحراء:عبيد في زمن الحرية في صفاقس

معاملة لا تحترم في جوهرها حقوق الإنسان
"أعمل كالربوت لا تأمينات ولا أجور ثابتة ولا ضمان صحي "كانت هذه احدى الشهادات الصادمة لعاملة منزلية إفريقية قادمة من جنوب الصحراء عملت لمدة 6 أشهر بأحد المنازل بولاية صفاقس التقيناها.. رفقة اثنتين أخريين قادمتين من الكوديفوار من أجل العمل في صفاقس... يمارسن اعمالهن دون سند قانوني ويواجهن مشكلات متعددة في مقدمتها سوء المعاملة دون مراعاة حقوقهن بالإضافة الى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها ...يتم خداعهن بالحصول على وظائف توفر لهن مستوى معيشي جيد، لكن ما أن يصلن إلى المنازل بصفاقس تتم معاملتهن مثل العبيد ولا رقابة تتابع وتحاسب مشغليهن إلى جانب تكليفهن ببعض الأعمال التي تفوق طاقاتهن وعدم إعطائهن وقتا كافيا للراحة وأمام هذا الواقع الصعب الذي تواجهه كثير من المعينات الإفريقيات القادمات من جنوب الصحراء لا يبقى لهن خيار سوى الصبر على ظروفهن أو الرحيل إلى منزل آخر...هكذا حدثونا عن تجاربهن بتنهيدة موجعة ونبرة حزينة وفي وجوههن نظرة منكسرة تخفي ورائها رحلة الهروب من الوضع في بلدانهم إلى معاملة لا تحترم في جوهرها حقوق الإنسان.
Chahadett
3 ضحايا هن صوت لأكثر من 300 عاملة منزلية افريقية قادمة من جنوب الصحراء تشتغل بصفاقس في ظروف مهينة وسيئة وهي إحصائية تم تحديدها من قبل جمعية تونس أرض اللجوء من سنة 2016 إلى حدود سنة 2019 ...وتأتي الأغلبية من العاملات المنزلية من الكوديفوار بنسبة 80 بالمائة والباقيات من السينغال والكاميرون ومالي وغيرها من دول افريقيا جنوب الصحراء وفق احصائيات أعلنت عنها مديرة جمعية تونس أرض اللجوء شريفة الرياحي للديوان أف أم مبينة أن هؤلاء العاملات يمثلن نسبة 90 بالمائة من اليد العاملة الإفريقية القادمة من جنوب الصحراء بصفاقس....
من الأمل في الحياة إلى ضحايا الاتجار بالبشر
هن يأتين إلى صفاقس بطريقة قانونية ليجدن أنفسهن ضحية تحيل من قبل الوسطاء الذين يقومون بالتجارة بهن ..عبر شبكات متوزعة بين بلدان افريقيا جنوب الصحراء وبلد الاستقبال تونس ...تقوم هذه الشبكات باختيار ضحاياها من الأحياء المفقرة والمهمشة خاصة بالكوديفوار والسينغال وبوركينا فاسو ويتم التغرير بهن وخداهن بحجج تسهل عملية استقطابهن في تونس من قبيل ايهامهن بخلاصهن لمبلغ مالي يقدر بحوالي 900 أورو وعملهن في ظروف جيدة خاصة وأن تونس بوابة للعبور إلى أوروبا..وأفراد هذه الشبكات تحمل أسماء مستعارة أو أسماء وهمية وفي بعض الأحيان تكون أغلب عناصرها حاملين لنفس جنسية الضحية حتى يخلق رابط الثقة وفق ما أفاد به مختص في الهجرة وحقوق الإنسان أسامة بن يونس للديوان أف أم.
ووفق تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر سنة 2018 وأن عدد المورطين في جرائم الاتجار بالبشر بلغ عددهم سنة 2018 301 مورط من بينهم 199 معروفين لدى السلط الأمنية وغالبية ضحايا الاتجار بالبشر هم من دول افريقيا جنوب الصحراء حيث بلغ عدد الإشعارات التي تهمهم 327 أي ما يمثل 79.2 بالمائة من مجموع الضحايا المحتملين والمسجلين لدى الهيئة سنة 2018.
يلجؤون إلى الوسيط حتى تتذلل العقبات أمامهن
أكد مختص في الهجرة وحقوق الإنسان أسامة بن يونس للديوان أف أم أن الوسيط يقوم بطلب مبلغ مالي من العاملة الإفريقية لتسهيل إجراءات السفر مستغلا في ذلك عدم درايتها ومعرفتها بإجراءات المجيئ إلى تونس ..فيأخذ الوسيط مبلغا من الضحية قيمته تترواح بين 2000 و3000 آلاف دينار ...
وأوضح أسامة بن يونس أن إجراءات السفر عادة ما تشوبها إشكاليات بسبب تذاكر السفر المزورة مبينا أنه عند مجيئ العاملة من جنوب الصحراء إلى تونس يكون في استقبالها شخص إما تونسي أو من إفريقيا جنوب الصحراء له علاقة بالعائلة التي طلبت منه جلب عاملة من افريقيا جنوب الصحراء وفي بعض الأحيان يكون هناك أكثر من طرف يتعامل مع هذه العاملة واحد يستقبلها والثاني يوفر لها سكن لمدة يومين والثالث يوصلها إلى المنزل الذي ستعمل فيه بصفاقس ...وتعدد الأطراف غايته تضليل العدالة بدرجة أولى وذلك في صورة قامت العاملة بتقديم شكاية وبدرجة ثانية تضليل العاملة حتى لا تطالب بحقوقها ولا تستفسر عن الأموال التي سلمتها للوسيط وفق قوله للديوان أف أم.
يشتغلن بعقود شغل وهمية ...
هؤلاء العاملات المنزليات الإفريقيات القادمات من جنوب الصحراء يشتغلن بعدد من المنازل والراقية بصفاقس بكل من طريق تونس ولافران وقرمدة والعين وتنيور...وبعض من أصحاب هذه المنازل يريدون تشغيل عاملة افريقية قادمة من جنوب الصحراء نظرا لاعتقادهم بأنها تملك قدرة كبيرة على القيام بشؤون المنزل وتفانيها في العمل واشتغالها في صمت دون مطالبتهم بتغطية صحية واجتماعية وحقوقها لأن وضعيتها غير قانونية في بعض الحالات نظرا لتجاوزها مدة الإقامة المحددة ب3 أشهر في تونس وهي مسألة تسهل عملية تشغيلها بطريقة غير قانونية وبعقد شغل وهمي لا يتضمن أبسط الحقوق ..كما يقومون أيضا بتهديد العاملة بتسليمها إلى السلط الأمنية في صورة مطالبتها لحقوقها ..في حين عدد من أصحاب المنازل المشغلة لهذه الفئة يعاملونها بطريقة جيدة وإنسانية وفق ما صرح به مختص في الهجرة وحقوق الإنسان أسامة بن يونس للديوان أف أم.
يشتغلن تحت وطأة الاضطهاد
من سعيهن إلى تحسين وضعهن الاقتصادي أو هربهن من الحرب والعنف والاضطهاد في بلدانهن والتماسًهن للأمان والحماية في تونس وجدن أنفسهن في وضعية عمل مهينة يشتغلن بلا أجر لمدة تترواح بين 4 و6 أشهر لأن الوسيط أخذ دفعة عن أجورهن المترواحة بين 400 و500 دينار لا يتمتعن بأبسط حقوقهن فلو مرضن لا يقوم مشغلهن بمدواتهن ولو تعبن لا يرأفن بحالتهن وفق ما أكدته عاملة منزلية قادمة من جنوب الصحراء للديوان أف أم.
وفي بعض الأحيان يقوم المشغل بأخذ العاملة رغما عنها ودون ارادتها للقيام بالفحوصات الطبية دون أن يفسر لها سبب ذلك حسب ما أفادت به مديرة جمعية أرض اللجوء مكتب تونس شريفة الرياحي مؤكدة أن المشغل لا يوفر لهؤلاء العاملات غرف للنوم مما يدفعهن في بعض الأحيان إلى النوم في الحديقة أو في مستودع بالمنزل أو على الأرضية وفق قولها.
كما تصل المعاملة السيئة وغير الإنسانية من قبل بعض العائلات المشغلة لهؤلاء العاملات إلى حد رفضهم لاستعمال العاملة للحمام الموجود في البيت واجبارها على استعمال الحمام الموجود خارج المنزل حتى ولو كان الطقس باردا خاصة في فصل الشتاء على حد قول مختص في الهجرة وحقوق الإنسان أسامة بن يونس للديوان أف أم.
مؤجرهن دون حسيب أورقيب
اتصلنا ب3 مشغلين للعاملة القادمة من جنوب الصحراء فرفضوا مقابلتنا والحديث معنا وهددون بالاتصال بالوحدات الأمنية... بحثنا عن بعض الأشخاص الذين كانوا شهود عيان على المعاملة السيئة لبعض العائلات تجاه العاملات الافريقيات فعثرنا على شقيقة مشغلة رفضت أن يمرر اسمها وصوتها عبر إذاعة الديوان أف أم وحدثتنا عن تصرفات أختها تجاه عاملة ايفوارية اشتغلت بمنزلها لمدة 8 أشهر وقالت »إن علاقتي حاليا مقطوعة مع أختي بسبب تصرفها اللاإنساني تجاه عاملة تبلغ من العمر 22 سنة كنت عندما أزور أختي أتألم كثيرا من سلوكها تجاه العاملة فهي تكلفها بتنظيف المسبح مرتين في اليوم والطقس باردا وعندما أقول لها لا يعقل هذا ترد عليا بكل انفعال هذا ليس من شأنك دعيها تشتغل هذا دورها هل أنت وصية عليها ..لا تتركها ترتاح ولا تختلي بنفسها قليلا ولا تمكنها من مشاهدة التلفاز ولا حتى أن تخرج لتقتني بعض الأشياء الخاصة بها ...وعندما هددت أختي بأني سأشتكي عليها اذا لم تغير تصرفها تجاه العاملة قطعت علاقتها معي ..ولكن نصحت هذه العاملة الإيفوارية بالخروج من المنزل وعدم العودة إليه ولكنها ضلت تشتغل إلى أن تخلت عنها شقيقتي بدعوى أنها لا تقوم بتنظيف المنزل بشكل جيد.
تزايد التجاوزات في حق هؤلاء العاملات المنزليات القادمات من جنوب الصحراء بشكل كبير في صفاقس لأنه ليس هناك قانون يعاقب هؤلاء المشغلين فمجلة الشغل بتونس لا تتضمن بندا قانونيا ينص على تنظيم عاملات المنازل وضمان حقوقهن وفق ما أفاد به
رئيس قسم تفقدية الشغل والمصالحة بصفاقس كمال بن عامر للديوان أف أم مبينا أنه لا يحق للتفقدية القيام بمراقبة وضعية العاملات في المنازل دون أخذ الإذن من أصحاب المنازل وبالتالي ليست هناك مراقبة للوضعية المهنية لهؤلاء العاملات القادمات من جنوب الصحراء.
ودعا رئيس قسم تفقدية الشغل والمصالحة بصفاقس كمال بن عامر إلى مراجعة مجلة الشغل واحداث فصول قانونية تنظم العاملات بالمنازل من أجل الحد من هذه الممارسات.
وفي صورة إحداث فصول قانونية ضمن مجلة الشغل في تونس تنظم وضعية العاملات المنزليات سواء إفريقيات قادمات من جنوب الصحراء أو تونسيات فإن ذلك سيمكن تونس من الالتحاق بنظيريها لبنان والمغرب..ففي لبنان وقّع وزير العمل اللبناني السابق بطرس حرب مشروع قانون العمل الخاص بالعاملين في الخدمة المنزلية وذلك في فيفري 2011 في خطوة إيجابية لمواجهة مشكلة العاملات المهاجرات..أما في المغرب فقد دخل قانون العاملات والعمال المنزليين الجديد حيز التنفيذ في 2 أكتوبر 2018 وهو قانون يحتم على السلطات المغربية ضمان وجود عمليات تفتيش صارمة للعمل وتزويد العاملات المنزليات بفرص أحسن للوصول إلى نظام ملائم لتسوية النزاعات والتوعية بالقانون الجديد وينص أيضا على حماية جديدة للعاملات بما في ذلك اشتراط عقد موحد، وتحديد ساعات العمل، ويوم الراحة الأسبوعية، وحد أدنى للأجور وغيرها...
عقوبات في الغرض
الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات المنزليات الإفريقيات في صفاقس بين الإجبار على العمل الشاق أو الإهانة أو الاعتداء اللفظي أو حرمانهن من الخروج من المنزل وحجز جوزات سفرهن فيها الكثير من التجاوزات للفصل الثاني من قانون منع الاتجار بالبشر والذي صادقت عليه تونس سنة 2016 وهو ما جعل المشرع التونسي من خلال هذا القانون يفرض عدة عقوبات تجاه المخالفين له منها أساسا عقوبة سجنية لمدة 3 سنوات وخطية مالية قدرها 10 آلاف دينار لمن يخفي أو يحجز أو يتلف وثيقة سفر دون اذن قانوني وغيرها من العقوبات التي تحدثت عنها القاضية أحلام قوبعة للديوان أف أم.
من جانبها أكدت الناشطة الحقوقية وعضو في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان فرع صفاقس نعمة النصيري أنه تم استقبال عدد من العاملات المنزليات الإفريقيات يردن الحصول على حقوقهن وتقديم قضية ضد مشغلهن موضحة أن هناك اشكال قانوني لا يمكنهن من تقديم شكاية في الغرض باعتبار أن إقامتهن غير قانونية وفي صورة تقديمهن لشكاية ستتم احالتهن على القضاء من أجل الإقامة غير الشرعية والتي تصل عقوبتها إلى سنة سجن وفق قولها للديوان أف أم.
تعددت الأسباب والمصير واحد
اعتبر المختص في الهجرة أسامة بن يونس أن غياب إطار قانوني ينظم الهجرة ووضعية المهاجرين في تونس وعدم مصادقة تونس على مشروع قانون حماية اللاجئين وعدم إمضائها على الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد عائلتهم كلها أسباب ساهمت في تأزم وضعية العاملات القادمات من افريقيا جنوب الصحراء مبينا أن الوضع في تونس والذي يتسم بنسبة بطالة كبيرة واقتصاد يمر بصعوبات عديدة وتنمية اجتماعية ضعيفة يؤدي إلى تعطل عملية تسوية وضعية هؤلاء العاملات وفق قوله للديوان أف أم.
هل تتغير وضعية العاملات المنزليات الإفريقيات في تونس بعد الانتخابات الرئاسية؟
تونس تشهد انتخابات رئاسية سابقة لأوانها يوم 15 سبتمبر 2019 في انتظار طورها الثاني وخلال الحملة الانتخابية للمرشحين للرئاسية توجهنا بالسؤال إلى 3 مرشحين إذا كان لهم تصورا أو مشروعا أو استراتيجية واضحة بخصوص ملف العمال والعاملات الآفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء فأكدوا أن التعامل مع هذه القضية سيكون جديا وفق مخطط شامل يتماشى مع حقوق الانسان وواقع تونس وظروفها على جميع الأصعدة من أجل دعم العلاقات الديبلوماسية الإفريقية.
moutrach7in
حلول تستوجب التنفيذ
وللحد من الانتهاكات المسلطة على العائلات الإفريقيات القادمات من جنوب الصحراء في تونس اقترح المختص في الهجرة وحقوق الإنسان أسامة بن يونس التنسيق مع دول افريقيا جنوب الصحراء وبعثاتها الديبلوماسية من أجل تنظيم مسارات الهجرة وكذلك تحرك مجلس نواب الشعب وخاصة لجنة الحقوق والحريات ووضع القوانين المنظمة للهجرة على الطاولة من أجل سنها داعيا وزارة المرأة وشؤون الأسرة والطفولة إلى اعداد دراسة شاملة حول العاملات الافريقيات وظروف عملهن وأيضا قيام المجتمع المدني بخلق توأمة مع عدد من الجمعيات التي تعنى بالمهاجرين من أجل الإحاطة بهم وإعطائهم فكرة عامة على العمل في تونس باعتبار أن مشكلة العاملات الإفريقيات القادمات من جنوب الصحراء لا تقتصر فقط على حدود ولاية صفاقس وانما تمتد إلى تونس العاصمة وغيرها من الجهات.
بدوره أكد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل محمد علي البوغديري أن قسم العلاقات الخارجية والهجرة التابع لاتحاد الشغل يعمل على اعداد مشروع كامل منذ ثلاثة أسابيع حول وضعية العاملات والعمال الآفارقة في تونس من أجل ضمان حقوقهن كاملة مثلهم مثل العاملات والعمال التونسيين.
في ظل غياب قوانين منظمة لليد العاملة الإفريقية القادمة من جنوب الصحراء بتونس يتواصل نزيف الانتهاكات المسلطة على العمال والعاملات الآفارقة وعلى حقوقهم الأمر الذي يستدعى خطوة جدية وحازمة من قبل السلط المسؤولة لوضع حد لهذه الممارسات تجاههم من قبل أرباب العمل وسن قوانين تحمي هذه الفئة ....فهجرة هؤلاء العمال تمثل بالنسبة إليهم جسرا للهروب من الجحيم إلى النعيم وهروب من الواقع الأليم والفقر والحرب في بلدانهم إلى الاستقرار والسلم والهدوء الا أنهم يكتشفون العكس.. الأمر الذي دفعهم إلى المناداة والمطالبة بسن اطار قانوني يحمي حقوقهم وينظم وجودهم في التراب التونسي ويحميهم من كل الانتهاكات المسلطة عليهم والتي تصل في بعض الأحيان إلى القتل.
كاتب المقال بهيرة عوجي