الكوفواتيراج في صفاقس: 'غرباء' تجمعهم المصلحة..و يفرّقهم اللّقب!

عتبر ظاهرة "تقاسم الرّكوب" (covoiturage ) من الظواهر المنتشرة في كافة المدن التونسية و بالخصوص في الجنوب التونسي بولاية صفاقس تحديدا.
و تقاسم الركوب هو نظام للتنقّل البريّ عبر السيّارات يتشارك فيه أشخاص لا تربطهم غالبًا، علاقة صداقة أو قرابة فقط تجمعهم الوجهة و توقيت الرحلة و تعد شبكة التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" من أبرز الوسائل المستعملة في تنظيم هذه العملية.
من هنا تبدأ الحكاية
عشرات من المجموعات على موقع "فايسبوك" تقدّم خدمات تقاسم الركوب.. يكفي أن تقع إضافتك لأحدى هذه المجموعات حتى تتمكن من الكتابة على حائط المجموعة و قراءة عروض مشاركة السيارة في السفرات المتوفرة باتجاه أحد الولايات دوّن فيها عدد المقاعد الشاغرة و ساعة الانطلاق و مكان الانطلاق و الوصول ورقم السائق... و لا تتقاسم الركوب مع شخص إلا بعد تفحص حسابه الشخصي على الفايسبوك و الحديث معه مباشرة عبر الهاتف و كم يسعفك الحظ إذا كان صاحب السيارة يقطن بالقرب من مسكنك فساعتها سيمر لاصطحابك من مقر سكناك غير هذا فان صاحب السيارة يتخذ أحد الأماكن للانطلاق و هو ما جعل بعض الأماكن بمرور الوقت أحد نقاط الانطلاق لعدة رحلات و تكون عادة محطات التزود بالبنزين.
وإذا لم تجد ما يتناسب مع حاجتك فما عليك إلا تنزيل تدوينه تذكر فيها ما تبحث عنه محددا ساعة الانطلاق و الوجهة و رقم هاتفك و ما هي إلا لحظات حتى تتهافت عليك المكالمات.
و قد عرفت هذه المجموعات انتشارا واسعا في السّنتين الأخيرتين مما جعل المشرفين عليها أكثر صرامة في التثبّت من هوية الحسابات التي تطلب الانضمام إلى الصفحة قبل قبولها، وذلك لضمان عدم حدوث تجاوزات،و من بين شروط هذه المجموعات على "فيسبوك" نقل 4 أشخاص في كلّ سيارة باحتساب السائق، وعدم تجاوز مبلغ محدد لكلّ شخص (حوالي 15 دينارا للراكب الواحد).
منصات للخدمة
إضافة إلى المجموعات الفايسبوكية الناشطة وقع إحداث عدة مواقع تقدّم خدمة تقاسم الركوب و إن واجه عدد كبير من هذه المواقع صعوبات أسفرت عن إغلاقها بقي عدد منها مفتوحا إلى حد اليوم من بينها موقع (partagi.tn)
و قد أكد السيد رمزي الحناشي المسؤول التقني على هذا الموقع الذي أطلق في أوت 2017 أن الموقع، أو بالأحرى المنصة، قائمة على الاقتصاد التضامني حيث تقدم خدمتين لمستعمليها من بينها خدمة تقاسم الإيجار للشقق و المنازل و تقاسم الركوب للمتنقلين سواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة و أن الهدف من هذا المشروع هو تسهيل و تسريع التنقل للمستعملين للموقع كهدف رئيسي.بالإضافة إلى تشييد علاقات اجتماعية بين كل المتقاسمين للركوب، على حد تعبيره، مضيفا أنه وقع إطلاقتطبيقه هاتف محمول لتسهيل عملية البحث و تسريعها.
و في توضيحه للجوانب القانونية للظاهرة، أكد رمزي أن القانون تونسي يمنع نقل الأشخاص بمقابل إلا أنه يصعب إثبات ذلك على أرض الواقع و هو ما يمنع تطبيق القانون، مستدركا:" ولكن المشكل الأساسي هو الخوف المفرط من الحرفاء و الذي يخلق جدالا يوميا على الموقع يدفعنا الى التدخل لانهائه في كثير من الأحيان"، حسب قوله.
و في حديثه عن حجم الخدمات التي تقدمها المنصة للمسافرين، قال أن عدد التنزيلات للتطبيقة وصل الى 9100، و في ما يخص الزائرين للموقع فقد وصل الى 14700 و يضاف 200 يوما الى الموقع، فيما يقارب عدد العروض المقدمة يوميا 400 عرض يستفيد منها 200 شخص و هي موجهة بالأساس من و الى تونس أو بنزرت أو صفاقس أو نابل.
وحسب رمزي فان موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك يعد واحدا من أبرز المنافسين لمواقع تقاسم الركوب، مرجعا السبب الرئيسي في ذلك الى اختزال المواطن التونسي لعالمه في الفايسبوك حيث يعتقد البعض أن عالم الانترنيت ينحصر في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، وبين أن هذا المشروع له مميزات عدة عن المجموعات الفايسبوكية حيث يمكنتقييم السفرة و السائق عبر الكتابة على جدار الموقع و هو ما يجعل السائق أكثر التزاما باحترام السرعة القانونية و عدم التدخين في السيارة أو التأخر عن الموعد المتفق عليه أو عدم احترام عدد الركاب المنصوص عليه.
و يؤكد رمزي في النهاية أن صبغة الخدمات المقدمة ربحية، قائلا بالحرف الواحد: "نحن شركة و بطبيعة الحال نطمح للربح هدفنا اليوم صنع بديل و تقديم خدمات راقية للمواطن حتى نصبح مترسخين في ثقافته و نتحصل في مرحلة متقدمة على جزء من الأموال المدفوعة من المسافرين لصاحب السيارة".
الغاية تبرر الوسيلة !؟
السيد شكري يعيش الأستاذ الجامعي و أحد المنخرطين في هذه الخدمة يرى أن تدني خدمات النقل الحديدي و النقل الجماعي ونقص وسائل النقل العمومي و عدم وجود إستراتيجية واضحة من الدولة في خصوص النقل من حيث توفيره لكل مواطن و في كل مكان... من أهم الأسباب التي تجعل المواطن يلتجئ إلى استعمال تقاسم الركوب، مؤكدا أن هذه الظاهرة لا تعتبر حكرا على أهالي جهة صفاقس فحسب حيث تنتشر منذ سنوات بين الضاحية الشمالية و المناطق الأخرى بالعاصمة.
كما عدَد يعيش ما وصفه بالنقاط الايجابية لهذه الظاهرة و المتمثلة حسب قوله في الحد من التلوث والحفاظ على بيئة سليمة و الاقتصاد في الطاقة و ربح الوقت من خلال استعمال سيارة واحدة عوض أربع سيارات و الذي ينجر عنه نقص في الاكتظاظ و استعمال نصف المحروقات المستهلكة تقريبا إضافة إلى توطيد العلاقات اجتماعية من خلال التعرف على أشخاص جدد، حسب رأيه.
واعتبر يعيش أن تقاسم الركوب لا يعد مخالفا للقانون حيث انه لا يعتبر عملا بالمقابل موازيا لعمل سيارات الأجرة (اللواج، مستشهدا بالفصل الثالث من الدستور التونسي الذي ينص على أن لكل مواطن حرية التنقل داخل الوطن، و مؤكدا في الختام أن الدولة اليوم أمام فرصة تاريخية لتقنين هذه الظاهرة بسن قانون ينظمها و يخرجها من خندق المخالفة إلى ممارسة معلنة متحصنة بالقانون تدر بالنفع على المجموعة الوطنية، على حد تعبيره دائما.
التصدّي ل"حقّ ضاع"...و اضرار بالقطاع
في المقابل أكد السيد عبد اللطيف بن علي رئيس الغرفة الجهوية لأصحاب سيارات الأجرة ( اللواج ) بصفاقس أن قطاع سيارات الأجرة قد تضرر بسبب انتشار هذه الظاهرة خاصة السيارات المتجهة نحو العاصمة، إذ فقد القطاع العديد من الزبائن حتى وصل الأمر إلى أن ينتظر سائق سيارة اللواج مدة 3 أيام قبل أن يحين دوره و الحال انه كان ينتظر يوما واحدا في السابق.�
و ارجع رئيس الغرفة الجهوية لأصحاب سيارات الأجرة ( اللواج )تراجع وسائل الراحة و السرعة و الرفاهية بسيارات الأجرة الى ما اعتبره وضعا اقتصاديا صعبا تمر به البلاد علاوة على غلاء السيارات وارتفاع أسعار المحروقات و التأمينات.
و في حديثه عن مميزات سيارات الأجرة، بين بن علي أن هذه السيارات أكثر ضمانا و أمانة من سيارات النقل المشترك من حيث إمكانية استرجاع الحاجيات في صورة نسيانها بالسيارة أو في صورة حصول حادث مرور، إذ تحفظ حقوق الراكب على عكس سيارات النقل المشترك التي بإمكان شركات التأمين اعتبار هذا النقل غير قانوني.
اختلاف الألقاب بين الركاب يستوجب خطية ب700 دينار؟
مهدي دمق أحد المتخرجين من كلية الاقتصاد و التصرف و الباحث عن فرصة لمواصلة تعليمه في أحد الدول الأوروبية حدثنا قائلا " اتجهت صوب العاصمة رفقة زملاء لي في أحد مراكز تعلم اللغة الألمانية للحصول على تأشيرة السفر و شهادة جامعية معادلة باللغة الألمانية فأعترضتنا دورية للحرس الوطني على مستوى منطقة مساكن التابعة لولاية سوسة، طلب مني عون الحرس مده بأوراق السيارة، سألني في بادئ الأمر عن ملكية السيارة فأجبته أنها سيارة والدتي ثم طلب من رفاقي بطاقات تعريفهم الوطنية بعد معرفة وجهتنا.
يتابع محدثنا متهكّما: "طلب مني ذكر أسماء أصدقائي فأجبته...و لكن الأسئلة لم تنته الى أن وصل الحد لسؤالنا عمّن يتحمل تكلفة محروقات السفر فأجابه زملائي أننا نتقاسم هذه المصاريف خاصة و اننا طلبة...حينها طلب مني النزول من السيارة و سجل لي مخالفة تحت عنوان نقل أشخاص بمقابل دون رخصة و رغم اعتراضي على ذلك الا أنه أصر و انتهى بي الأمر أمام شبابيك القباضة المالية لدفع مبلغ في حدود 700 دينار تونسي
القانون التونسي و النقل المشترك�
و في تفسير للجانب القانوني المحيط بالنقل المشترك، بين المحامي زبير الوحيشي أنه باعتبار أن ظاهرة تقاسم الركوب لا تحمل صبغة ربحية و لا تعد مخالفة و نقلا بطريقة غير شرعية، لا يمكن بالتالي إن تعرض صاحبها لعقوبة تصل إلى حجز السيارة و خطية مالية في حدود الألف دينار، على حد تعبيره، موضّحا أن هذه المسألة لا يشملها القانون عدد 33 الصادر في 19 أفريل 2004 و المتعلق بتنظيم النقل البري و الذي يتناول الأحكام المتعلقة بقطاع النقل البري العام غير المنتظم و هي قانونيا سيارات الأجرة الفردية (تاكسي) و الجماعية (اللواج) و التاكسي السياحي و النقل الريفين، مشيرا إلى أن النقل العرضي (في المناسبات كالأعياد) يخضع إلى إذن مسبق.
سامي الفتيني
كاتب المقال Diwan FM