اليد العاملة الإفريقية في صفاقس:اتجار بالبشر ...والحقوق في خطر
ففي سنة 2016 حوالي 0.5 بالمائة فقط من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء وصلوا إلى أوروبا بطريقة غير قانونية عبر البحر المتوسط .
بأموالهم يسلكون دربا مجهولا ....
مهاجرون من جنوب الصحراء وأغلبهم من جنسيات إيفوارية وسينغالية وغينية ومالية اختاروا تونس لتكون ملجأهم لبناء حياة جديدة... حلم بسيط ولكن تحقيقه لم يكن هيّنا ... دفعوا أموالا لأطراف متعددة من أجل المجيئ إلى تونس ترواحت المقادير بين 800 دينار و3000 دينار ومن ثم التنقل إلى صفاقس ...
مجيئهم إلى تونس لم يعد معقدا بعد إلغاء السلطات التونسية التأشيرة لعدد من بلدان هذه المنطقة سنة 2014 شريطة أن تكون وثائق سفرهم المعتمدة سارية المفعول وأن لا تتجاوز مدة إقامتهم بتونس 3 أشهر... غير أن قدومهم إلى تونس لا يتم دائما بشكل قانوني وإنما بطرق غير عادية بل مشبوهة وفق ما أكده الأستاذ المحامي وجدي العايدي للديوان أف أم .
لا يتم القدوم الى تونس دائما بطرق قانونية ... وهذا ما يدفع الراغبين في الهجرة الى البحث عن كل السبل لمغادرة بلدانهم ...ويبدو أن عددا منهم وقع ضحية تحيل من قبل عدد من سفارات بلدانهم التي أوهمتهم بعمل مستقر يدر عليهم مبالغ مالية طائلة حسب ما صرح به رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني للديوان أف أم.
من جانبه أكد نائب المدير التنفيذي لجمعية afrique intilligence محمود قابا أن هناك وسطاء يسهلون عملية قدومهم إلى تونس وأيضا يقومون بربط العلاقة بين المهاجر القادم من جنوب الصحراء والمشغل في صفاقس ويوهمه بأن العمل سيكون مناسبا والأجر محترما ولكن عند القدوم يكتشف العكس تماما خاصة بعد انتهاء مدة إقامته القانونية فتجده عرضة للاستغلال والمعاملة المهينة.
دون ضمانات وحماية...
وجود العمال الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء أصبح ظاهرة في صفاقس وحسب ما أكدته لنا المكلفة بالإعلام والاتصال بمكتب تونس للمنظمة الدولية للهجرة مريم الشابي لا توجد إحصائية محددة حول عددهم ولا بلدانهم الأصلية حيث تجدهم يعملون في أماكن متعددة وتشير بعض الاحصائيات انه في سنة 2017 حوالي 200 مهاجر من جنوب الصحراء يشتغلون في المنازل بالجهة وفق تحقيق أنجزه مكتب صفاقس لجمعية afrique intilligence.
وحسب الأستاذ المحامي وجدي العايدي فإن اعدادا آخرى قدرهم بالمئات يشتغلون بصفاقس في قاعات الشاي والنزل والمطاعم وفي حضائر البناء وغيرها من المواقع بطريقة غير قانونية ودون ضمانات اجتماعية مما جعلهم عرضة للمعاملة المهينة والتميز العنصري...
وفي طليعة هذه الانتهاكات نجد الأجور ضعيفة والساعات الكثيرة دون تمتعهم بالراحة والعطل إلى جانب فرض مؤجريهم لهم الاختيار بين الحصول على الحقوق أو الطرد بل والإبلاغ عنهم لدى المصالح الأمنية ...التقيناهم في صفاقس وتحدثوا عن تجربتهم المهنية...تحدثوا إلينا بكل ألم ومرارة...تحدثوا بقلب مكسور وخوف من مستقبل مجهول.
وللمشغل..موقف آخر
اتصلنا بستة مشغلين للمهاجرين في صفاقس فرفضوا مقابلتنا وصدنا في البداية...وبعد ممانعة ونظرا لإلحاحنا قبل أحدهم التحدث إلينا رافضا أين يمرر تصريحه عبر الإذاعة... فحسب هذا المشغل فإن اللجوء إلى تشغيل هؤلاء المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء بطريقة غير قانونية يعود إلى جدية هؤلاء وقال أيضا بهذه العبارة "يخدوا ويسكتوا" .. هذا في الوقت الذي نسجل فيه عزوف الشباب عن العمل .
تجاوزات تستوجب عقوبات
وعن التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها العمال الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء توجهنا بالسؤال إلى تفقدية الشغل بصفاقس فأكد لنا رئيس قسم تفقدية الشغل والمصالحة كمال بن عامر أن هناك عمليات مراقبة في الغرض مبينا أن مصالح التفقدية قامت مؤخرا بإيقاف عدد من العمال الأفارقة ذوي البشرة السوداء عن العمل يشتغلون بطريقة غير قانونية وتحرير محاضر ورفعها إلى السلطات الأمنية.
المشغل لهذه الفئة له نصيب من العقوبات تتراوح بين الخطية المالية والسجن ويكون محل متابعة قضائية في صورة مخالفته لقانون الشغل لأن التشغيل غير قانوني ليد عاملة أجنبية يدخل في إطار الاتجار بالأشخاص ...وتونس أصدرت سنة 2016 قانونا يمنع الاتجار بالبشر و مكافحته ..كما ينص هذا القانون على جملة من الفصول الداعمة للحقوق والحريات ...الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس مراد التركي يتحدث عن هذه العقوبات للديوان أف أم.
قضايا مرفوعة في الغرض
هذا الاطار القانوني الجديد ساعد على رفع عدة قضايا بخصوص استغلال مهاجرين قادمين من جنوب الصحراء وتشغيلهم بطريقة غير قانونية وهذه القضايا منشورة حاليا بدائرة محاكم صفاقس و لا تزال في الطور البحثي والتحقيقي على حد قول الأستاذ المحامي وجدي العايدي.
الخوف من الترحيل
صمت بعض العمال المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء وقبولهم باستغلالهم في العمل وبمعاملتهم معاملة مهينة سببه الخوف من وقوعهم في قبضة الأمن وترحيلهم فيما بعد ...فعميلة ترحيلهم لا تتم دائما في ظروف جيدة وفق ما أكده رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني.
وعن كيفية ترحيل هؤلاء الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء يتحدث الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس القاضي مراد التركي للديوان أف أم.
التعامل مع المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء... لا يتم بطريقة موحدة في صورة القبض عليهم من قبل السلطات الأمنية حيث يتم وضعهم وقتيا إما بدور شباب أو بمراكز إيواء إلى حين ترحيلهم حسب ما أكده الأستاذ المحامي وجدي العايدي.
ويشار إلى أن تونس تضم مركزي إيواء للمهاجرين في تونس أحدهما حكومي في الوردية بتونس العاصمة والثاني بولاية مدنين تم إحداثه سنة 2013 ومن المتوقع فتح مركز إيواء ثاني في ولاية مدنين مع بداية 2019 حسب ما صرح به للديوان أف أم الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير مبينا أن تونس أعادت أكثر من 7 آلاف مهاجر إلى بلادهم في السنوات الأخيرة.
حقوق وجب احترامها
حماية العامل الإفريقي القادم من جنوب الصحراء تعد حقا وجب احترامه وهو ما دفع رئيس مشروع دعم هجرة عادلة بمكتب العمل الدولي بتونس العاصمة محمد بالعربي الى توجيه الدعوة عبر الديوان أف أم الى أجهزة الدولة لتوفير المعلومات حول طبيعة العمل الذي سيباشره العامل الافريقي في تونس وصيغه القانونية حتى لا يكون عرضة للاستغلال مشددا على ضرورة توفير أليات تمكن من التقارب بين سياسات الهجرة ومناهج العمل بتونس وفق قوله للديوان أف أم.
يعيش المهاجرون غير النظامين ثنائية أمل الاول ان تسوى وضعياتهم و الثاني ان تصاغ قوانين تنظم وجودهم في تونس وفي انتظار تحقيق هذا الامل تبقى مخاوفهم جلية من مصير مجهول قد ينتهي بترحيلهم إلى بلدانهم وحرمانهم من هذه البوابة التي وصفوها بالذهبية لكي تتيح لهم فرصة العيش بها أو عبور البحرإلى أوروبا هرباً من جحيم الفقر والحروب في منطقتهم.
رحلة هؤلاء المهاجرين قد تبدو سهلة في بادئ الأمر ولكنها تُخفي في طياتها العديد من المفاجآت والمصاعب ... قد لم تخطر على بالهم وهم يغادرون أوطانهم .
هذا العمل تم بالتعاون مع منظمة المادة 19
هذا العمل تحصل على جائزة أفضل تحقيق استقصائي في شمال إفريقيا لسنة 2018