صفاقس: متى تعود الحياة الى الثقافة والترفيه؟
يمثل تعلّق متساكني صفاقس بعادات البيت أو ''اللمة العائلية'' سلوكا متوارثا منذ أجيال فمنذ عقود اختار مواطنو المدينة تمضية أوقاتهم داخل أسوار البيوت وطوّروا عدة طرق عائلية للترفيه عن العائلة باعتبار ان الجهة تفتقر الى الفضاءات الترفيهية والتنشيطية مقارنة بتونس العاصمة أو بجهة الساحل والتي يقبل متساكنوها على الفضاء الخارجي الذي يتميز بتنوع الخدمات المقدّمة وفق ما أشار له استاذ علم الاجتماع زهير بن جنات.
وأوضح بن جنات ان علاقة متساكني صفاقس بالفضاء الخارجي كانت ''علاقة عمل'' و''جلسات مهنية'' فيما تم تخصيص المناسبات العائلية على الفضاءات المنزلية.
مدينة العمل وقلة الترفيه
كما عرفت صفاقس تاريخيا بـ''مدينة العمل'' و''الجدّية'' وفي ظل غياب نشاط سياحي شاطئي بفعل تلوث السواحل الى جانب التوجه الصناعي اقتصادي للمدينة تم تهميش الطابع الترفيهي والسياحي للمدينة الا ان بعض الفضاءات الخدماتية التي تم تركيزها خلال السنوات الفارطة شهدت اقبالا ملحوظا رغم خدماتها المتواضعة والتي لا تقارن بمثيلاتها في مناطق أخرى من البلاد.
كما تسبب تلاشي النشاط الثقافي في صفاقس في السنوات الاخيرة في ''موت'' المدينة ودفع أبنائها الى هجرها خاصة بعد اغلاق جميع دور السينما وأصبح المسرح البلدي الذيأغلق لمدة 4 سنوات المتنفس الوحيد لبعض العروض الرسمية او الفردية ومقصدا لعشاق الفن والثقافة.
قاعات السينما والمسرح كانت القلب النابض للمدينة
مدينة صفاقس كانت تضم أكثر من 7 قاعات سينما على غرار الكوكب، الاطلس، الهلال، الكوليزي، النور والماجستيك ساهمت في فترة ما في تنشيط المدينة واضفاء حركية خاصة وذلك للعروض السينمائية التي كانت تنفرد بها هذه القاعات وفي استقطاب جميع شرائح المجتمع وفق ما أكده الممثل المسرحي والتلفزي محمد اليانقي.
واكد اليانقي ان سينما ''بغداد'' كان يخصص في نهاية كل أسبوع وفي إطار نادي السينما أفلاما وعروضا سنيمائية للتلاميذ والطلبة وبأسعار رمزية تقدر بمائتي مليم للعرض الواحد وهو ما يخلق حركية كبرى خاصة خلال الفترة الليلية.
كما كانت دار الثقافة بالجهة تخصص أسبوعيا أنشطة ثقافية وعروضا مسرحية الى جانب النوادي الفنية والتي كانت مقصد العائلات في ولاية صفاقس.
مشاريع ترفيهية وسياحية في صفاقس... دون المأمول
اعتبر المندوب الجهوي للسياحة بصفاقس فتحي زريدة ان الجهة تملك مخزونا ثقافيا وتاريخيا وطبيعيا ثريا على غرار المدينة العتيقة، قرقنة، طينة، وجزر الكنايس بالغريبة الى جانب الموقع الأثري بالحنشة وهو ما يؤهلها لاستقطاب العديد من الزوار سواء من الداخل او الخارج ينضاف اليها سلسلة من النزل والاقامات السياحية بمختلف التصنيفات.
كما تضم ولاية صفاقس مدينة ألعاب ترفيهية وحديقة عمومية بوسط المدينة الى جانب عدد من المركبات الترفيهية والتنشيطية الخاصة التي ارتفع نسق الاستثمار فيها خلال السنوات الماضية مع حاجة المدينة ومتساكنيها الى مثل هذه الفضاءات والتي تجمع بين نشاط المقاهي والمطاعم والاستراحات الطبيعية الى جانب الألعاب الترفيهية والحفلات الفنية.
هذه الفضاءات ساهمت نوعا ما في تنشيط المدينة وتغيير المشهد التقليدي لأشكال الأنشطة الترفيهية في ولاية صفاقس الا انها بقيت دون المأمول خاصة مع هجرة أبناء الجهة الى الولايات الأخرى بحثا عن المركبات الترفيهية والفضاءات السياحية وهو ما دفع بعديد المستثمرين الى بعث مشاريع مشابهة بجزيرة قرقنة وتم الموافقة على 4 منها بهدف التشجيع على السياحة البيئية وتتمثل أساسا في تركيز فضاءات ترفيهية شاطئية تضم مجموعة من الاستراحات والألعاب البحرية وفق ما افاد به فتحي زريدة الى جانب الإقامة الريفية '' دار للّة '' التي سيتم افتتاحها قريبا بمنطقة الحاجب والتي تضم عددا من الأنشطة التقليدية والأنشطة الترفيهية المتنوعة والتي تراعي جميع اذواق متساكني الجهة وتطلعاتهم.
ولم ينفي محدثنا ان المشاريع السياحية والترفيهية قليلة مقارنة بالولايات الأخرى بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة وغياب عملية المتابعة من طرف الدولة بما ساهم في تعطيل العديد من المشاريع السياحية الكبرى على غرار مشروع سيدي فنخل بقرقنة والميناء الترفيهي بشط القراقنة والقرية السياحية بالشفار.
فضاءات ترفيهية جديدة في طور الإنجاز
من جهته أكد المندوب الجهوي لشؤون المرأة والأسرة بصفاقس حاتم العبدلي غياب فضاء عمومي لفائدة العائلة بجهة صفاقس والذي من شانه ان يساهم في مزيد من العزلة وعدم استثمار أوقات الفراغ والعطلة في تنمية قدرات ومهارات الأطفال موضحا ان الوزارة انطلقت في إجراءات التكفل بفضاء الطفل والعائلة الكائن بمنطقة باب الجبلي قصد تهيئته تركيز مجموعة من البناءات الجديدة لكافة العائلة التي ستضم نوادي فنية وتنشيطية ومناطق خضراء الى جانب تخصيص فضاء للمتقاعدين بتكلفة جملية تقدر 2 مليون و500 ألف دينار ليكون بذلك الفضاء الترفيهي العمومي الأول من نوعه في ولاية صفاقس.
والمعلوم ان فضاء الطفل والعائلة الذي أحدث قبل الثورة تدهورت حالته بشكل كبير مما حوله الى وكر للفساد.
ويعود الأمل بجرعة من الحياة للحركية الترفيهية والثقافية بفضل أحد المشاريع الخاصة وهو افتتاح أول مركب تجاري وثقافي ''sfax mall'' بطريق تونس والذي سيضم مسرحا وقاعات سينما وقاعات متعددة الاختصاص ومقاهي ثقافية وعدد من المكتبات وفضاءات المطالعة، بالإضافة الى فضاء كامل مخصص للصناعات التقليدية في جهة صفاقس سيطلق عليه فضاء باب الديوان.
حمدي السويسي