كيف أقصيت الشركات التونسية من انجاز محطة تحلية المياه بصفاقس؟
تقدر طاقة محطة تحلية مياه البحر بصفاقس والتي ستقام بمنطقة قرقور جنوب مدينة صفاقس (18 كلم) بمائة ألف متر مكعب (م3) في اليوم في مرحلة أولى لتصل الى 200 ألف م3 يوميا في مرحلة ثانية.
وستساهم هذه المحطة في مجابهة النقص الفادح في مياه الشرب في ولاية صفاقس وتحسين نوعيتها وتامين تزويد قرابة المليون ساكن بها بشكل منتظم إلى حدود سنة 2035.
وتمتد فترة الانجاز على مدى عامين ونصف ، عبر مساهمة من ميزانية الدولة بقيمة 130 مليون دينار وحوالي 800 مليون دينار في شكل قرض من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) يقع استرجاعه على مدى 25 سنة.
"اقصاء المؤسسات التونسية ضرب للاقتصاد الوطني"
السيد جمال الكسيبي رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال أكد للديوان اف ام ان إعطاء الصفقة لمجموعة شركات أجنبية هو ضرب للمؤسسات التونسية حيث كان من الأجدر وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ان تقع دعوة الشركات التونسية لتامين مثل هذه الإنشاءات.
فعديد مكاتب الدراسات التونسية تتمتع بخبرة عالمية في المجال قادرة على المساعدة في المجال كما يمكن الالتجاء الى المكاتب الاجنبية للمساعدة .
كما بين السيد الكسيبي أنه بالإمكان التخفيض من التكلفة المالية العالية لمشروع انجاز محطة صفاقس فعديد الدول فرضت على شركات تقدمت لانجاز مثل هذه المحطات تخفيضا في عروضها نظرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها في حين قامت دول أخرى بإعادة طلب العروض وتمكنت من الحصول على تخفيض بحوالي 10 بالمائة لانجاز محطة مشابهة لمحطة صفاقس .
" 350مليون دينار ستدفع للشركات الأجنية من دون سبب !"
عماد السلطاني مهندس مختص في مثل هذه المحطات يعتبر أن العرض الفائز بالصفقة مشط وهو ما دفعه لمراسلة هيئة الطلب العمومي مؤخرا ليلفت نظرها للتكلفة العالية للصفقة التي فازت بها مجموعة شركات اجنبية بمبلغ يعادل 900 مليون دينار.
وبين عماد السلطاني ان تكلفة انشاء محطة مماثلة في السوق العالمية من نفس حجم محطة صفاقس اي حوالي 200 ألف متر كعب في اليوم تقدر بحوالي ألف دولار للمتر المكعب الواحد مما يجعل التكلفة الجملية 200 مليون دولار اي ما يعادل حوالي 550 مليون دينار تونسي .
وهكذا يكون الفارق بين المبلغين كبير جدا ويصل الى 350 مليون دينار ستُدفع للشركات الأجنبية من دون سبب.
كيف أقصيت الشركات التونسية؟
اعتمدت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه على شرط الحد الأدنى العائد السنوي للشركات المشاركة في المناقصة بحوالي 200 مليون يورو على مدى 5 سنوات وهو حسب السيد عماد السلطاني اكثر صرامة وانتقائية مما هو منصوص عليه في توجهات الممول الياباني JICA واعتماد هذا الشرط أدى الى الالغاء التلقائي ليس فقط للشركات التونسية بل لعدد من الشركات الأجنبية المنافسة .
وحسب نفس الخبير فانه من الممكن مراسلة JICA وطلب إعادة المناقصة نظرا للأزمة الاقتصادية الحالية والحد من الفارق بين التكلفة ومبلغ القرض المتفق عليه مع الإشارة الى انه تم تغيير احدى الشركات الفائزة بالمناقصة بعد الآجال وهذا في حد ذاته سبب في إمكانية بطلان الصفقة.
تبعات إلغاء المناقصة
يرى المدافعون على المناقصة التي فاز بها مجمع الشركات المكون من اوراسكوم المصرية و شركة من غرنيسيا وثالثة من اسبانيا أن إلغاء طلب العروض ستكون له انعكاسات مالية سلبية وفي هذا الصدد يؤكد خبير في الصفقات العمومية أن هذا الالغاء ممكن حيث ان كراس الشروط ينص في المادة 40.1 صراحة ان المشتري العمومي يحتفظ بالحق في إلغاء إجراء المناقصة في أي مرحلة من مراحل الإجراء قبل إرساء العقد رسميا دون الحاجة إلى تعويض أحد مقدمي العروض او جميعهم اما بخصوص استعجال الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لتنفيذ محطة صفاقس وهي احدى الذرائع التي يقدمها القائمون على الصوناد للإبقاء على الفائزين بالمناقصة يرى الخبير عماد السلطاني ان الاستعجال لم يتماش من الأول مع أجال إسناد الصفقة حيث تطلب ذلك 3 سنوات وكان بالإمكان إسنادها في سنة واحدة فقط لو تمت عملية فرز العروض من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه دون تأخير بسنتين .
اما بخصوص حاجة صفاقس المتأكدة للمياه فان انجاز مشروعي محطة تحلية المياه بسوسة التي هي قيد التنفيذ ومحطة معالجة القلعة الكبرى وهي في مرحلة الإسناد سيخففان من العجز المائي لصفاقس في الأعوام الأولى اعتبارا من سنة 2023
ما الحل ؟
سعيا لفسح المجال أمام الشركات التونسية للمشاركة المباشرة والوصول الى التكلفة الدنيا للمشروع يرى رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال انه يمكن تقسيم المشروع الى عدة مكونات في مجموعات منفصلة ( أعمال بحرية.. إقامة خزانات انجاز بناءات اخ ) وهناك شركات تونسية لها من الخبرة في المجال حيث أن البعض منها تتولى حاليا إنشاء محطة تحلية المياه بسوسة التي تبلغ طاقتها 50الف متر مكعب يوميا أو محطة معالجة المياه بالقلعة الكبرى وفي هذه الحالة لابد من اللجوء الى خدمات مكتب مساعدة وتنسيق.
ويرى احد الخبراء في الإنشاءات إن إسناد انجاز المشاريع كاملة او ما يعرف clef en main او باعتماد المراحل الثلاثة EPC (Engerering Procurment Constraction )
يعني الدراسات والشراءات والإنشاء طريقة لها تكلفتها وهي تساعد صاحب المشروع على عدم القيام باي جهد للتنسيق والمتابعة ويكون الانجاز موكولا برمته الى الفائز بالعرض ويبدو ان هذا التمشي هو الذي اعتمدته الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لانجاز هذه المحطة وهذا يعفيها من بذل إي جهد للمتابعة ولكن وفي المقابل سينعكس ذلك على التكلفة باعتبار أن الشركات الأجنبية تبحث على تحقيق مرابيح من المشروع رغم اعتمادها على شركات مناولة.
إصرار رغم التكليف المشطة
رغم المطالبات العديدة ومن أطراف مختلفة لإعادة النظر في الصفقة فان القائمين على الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه مصرون على تنفيذ المشروع وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول هذا الإصرار رغم انه سيكلف الدولة التونسية أكثر من 350 مليار هذا الى جانب المساهمة في تأزيم أوضاع الشركات التونسية التي تمر بمراحل صعبة بفعل 'الكوفيد' وهي تترقب من الدولة المساندة بتمكينها من انجاز المشاريع الوطنية الكبرى.
فمتى سيتدخل رئيس الحكومة لإبطال هذه الصفقة حفاظا على المؤسسات التونسية ولمساعدتها على تجاوز مصاعبها الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على المال العام ؟
حافظ الهنتاتي
.