مادة المرجين في صفاقس: ثروة طبيعية ام خطر بيئي ؟
ومن بين المشاكل الكبرى التي تعمل السلطات العمومية بجميع هياكلها على حلها هي تخزين هذه المادة في مصبات ملائمة في ظل ارتفاع عدد معاصر الزيت واما خطورة هذه المادة على البيئة قامت العديد من المؤسسات الجامعية والخاصة بالبحث عن حلول لهذه المشكلة عبر تثمينها قصد الاستفادة من الكميات الهائلة التي تنتجها البلاد التونسية وتجنب مضارها البيئية والصحية.
ما هي الوضعية في صفاقس وهل هناك حلول لتثمين هذه المادة على المستوى الجهوي؟
تتصدر ولاية صفاقس قائمة الولايات المنتجة لزيت الزيتون بـ 17 بالمائة من الإنتاج الوطني تليها ولاية المهدية بـ14 بالمائة فسيدي بوزيد وسوسة والقيروان وسط توقعات رسمية ببلوغ هذه الصابة للموسم 2019-2020 ، 350 الف طن وهو ما يمثل صابة قياسية مقارنة بالسنوات الفارطة التي شهدت تراجعا في الإنتاج بسبب نقص الأمطار المسجلة.
هذه الكمية القياسية من الزيتون ستمكن من استخراج 71 ألف طن من زيت الزيتون متوزعة على حوالي 400 معصرة منتشرة بولاية صفاقس كما سيتم قبول وفق نائب رئيس النقابة الجهوية للفلاحين فوزي الزياني حوالي300 ألف طن من مادة المرجين والتي تتمثل في النفايات السائلة والصلبة التي تخلفها عملية عصر الزيتون.
مادة المرجين تضم مادة سمية شديدة الخطورة
هذه المادة التي يصفها عديد الخبراء وتقارير المخابر العلمية بشدة سميتها وذلك للتأثيرات التي يمكن ان تخلفها على الموارد المائية الجوفية إذا ما تم سكبها مباشرة في الطبيعة الى جانب تأثيرها السلبي على جودة التربة وغطائها النباتي وتدمير الغراسات والنباتات بفعل السموم المتسربة من المرجين.
تضم تركيبة مادة المرجين مجموعة من المكونات السامة (البوليفينول) والتي يمكن ان تدمر الطبقة المائية وتقضي على جميع الكائنات الحية في صورة عدم التعامل مع هذه المادة بطريقة علمية دقيقة عبر مراقبة عملية تجميعها من جانب السلطات المعنية وفق الأستاذ والباحث بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس كمال الحلواني.
ويمكن ان تمتد الاثار المدمرة لهذه المادة لعشرات السنين بسبب تركزها الشديد في باطن الأرض وضعف الإمكانيات اللوجستية للدولة في التعامل مع الإشكاليات البيئية وهو ما يتطلب انشاء وحدة وطنية مختصة لمراقبة عملية تجميع مادة المرجين وطريقة خزنها وردع المخالفين من أصحاب المعاصر والمكلفين بنقل هذه المادة حتى لا نتفاجأ في قادم بالسنوات بكارثة بيئية يصعب حلها بالطرق التقليدية حسب افادة الحلواني.
مصب وحيد في ولاية صفاقس لاستقبال مئات الالاف من أطنان المرجين
كوارث بيئية كبيرة يمكن ان تحدث نتيجة غياب طريقة علمية لتجميع هذه المخلفات وهو ما دفع بالسلطات الجهوية الى تشجيع أصحاب المعاصر على انشاء شركة مختصة في تجميع المرجين وتركيز مصب مراقب لتخزين مادة المرجين بالجهة .
احدث أول مصب في غرة جانفي 1998 بطريق المطار كم 28 على مساحة تقدر بـ 50 هكتارا ثم مصب ثان بطريق قرمدة كم 41 واسندت عملية ادارة هذه المصبات "لشركة خدمات المعاصر" التي تتولى استقبال كميات المرجين سنويا وتخزينها.
اختيار هذين الموقعين تم بعد استيفاء جميع الشروط البيئية والصحية اللازمتين وموافقة السلط الجهوية والهياكل المعنية بسلامة المحيط وحماية البيئة كما تم الحرص على سلامة المائدة المائية وحماية الاراضي الفلاحية والمناطق السكنية المجاورة لمصب المرجين وفق أحمد العيادي الرئيس المدير العام للشركة.
ادى التطور الكبير الذي شهدته ولاية صفاقس في انتاج مادة المرجين بسبب ازدياد عدد المعاصر الى ارتفاع الكميات المستقبلة بالمصبات تجاوزت 265 ألف متر مكعب سنة 2015 و حوالي 165 الف متر مكعب سنة 2017 وهو ما شجع عديد المستثمرين على تركيز مصب ثان للمرجين تابع لشركة sotutreaux سنة 2011.
ووفق لبيانات من الوكالة الوطنية لحماية المحيط فقد هيأت هذه الشركة 23 حوضا على مساحة 3 هكتارات ونصف مستوفاة الشروط الا انه في المقابل تم تسجيل مجموعة من الخروقات البيئية خلال السنوات الماضية حيث شهد المصب تكرر تسرب مادة المرجين من خلال شقوق بالحواجز الترابية الى الأراضي الفلاحية المجاورة.
وبناء على تقارير من الوكالة الوطنية لحماية المحيط قامت السلطات الجهوية متمثلة في والي الجهة بإصدار قرارات بالغلق في فيفري 2015وجانفي 2018 ونوفمبر 2019 الى حين قيام صاحبها بدراسة فنية تتعلق بالتأهيل والتهيئة ودراسة لإزالة التلوث مع تعهد الوكالة بتشديد الرقابة والمتابعة الدقيقة لهذا المصب لتجنب الخروقات البيئية.
هذه الاخلالات البيئية التي من شأنها ان تؤثر سلبا على انتاج الأشجار المثمرة بالاراضي المجاورة ونوعية التربة الى جانب الطبقة المائية التي تستغلها المجمعات المائية في عمليات الري وحتى الشرب من خلال ابار قانونية وعشوائية بجهة عقارب.
تحركات المجتمع المدني بصفاقس تجاه هذه الاخلالات
تتميز ولاية صفاقس مقارنة ببقية الولايات بنشاط جمعياتي واسع وتحركات ميدانية لنشطاء المجتمع المدني خاصة في القضايا التي تهم البيئة بالجهة. ولعل ما قامت به تنسيقية البيئية والتنمية بمعاضدة شباب الولاية في ملف غلق السياب يمثل احد اهم الأمثلة.
كما توجت التحركات الميدانية لعدد من شباب منطقة عقارب خلال المدة الفارطة في الحصول على قرار غلق مصب النفايات الذي تسبب وفق قولهم في العديد من المشاكل الصحية والوفايات.
ملف المرجين كذلك هو أيضا من بين الملفات التي تحرك لأجله المجتمع المدني بصفاقس حيث قامت الجامعة التونسية للبيئة والتنمية بإشعار الوكالة الوطنية لحماية المحيط في عديد المناسبات بوجود اخلالات وتجاوزات من بعض المعاصر وتعمدها القاء فضلات هذه المادة السامة سواء في الأراضي الفلاحية او في البحر وحتى في قنوات الديوان الوطني للتطهير وهو ما يشكل تهديدا خطيرا على سلامة المتساكنين في ولاية صفاقس وفق ما افاد به منسق الجامعة حافظ الهنتاتي.
كما تم تسجيل تقصير واضح من السلطات الجهوية (الإدارات العمومية المعنية بملف المرجين) والمحلية (البلديات) وحتى الأمنية في مراقبة هذه المعاصر وردعها بالطرق القانونية اللازمة وهو ما يشجع وفق حافظ الهنتاتي على الافلات من العقاب ومواصلة التجاوزات.
ويرى منسق الجامعة التونسية للبيئة والتنمية ان الحل لهذا الاشكال يتمثل في اعداد تصور استراتيجي يقوم أساسا على الاقتداء بتجارب الدول الكبرى المنتجة لزيت الزيتون ويتم خلاله تشريك الأطراف المعنية من هياكل عمومية ومهنية ومنظمات وطنية وتحسيسها بخطورة هذا الملف على مستقبل جودة الحياة في تونس.
كيف يمكن ان نثمن هذه الثروة الطبيعية؟
من جهة أخرى انطلقت الشركة خلال السنوات الماضية في استغلال نموذج أولي تم تصنيعه بالشراكة مع جامعة صفاقس والمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس ومركز البيوتكنولوجيا بصفاقس لتثمين ومعالجة مشكل تلوث مادة المرجين الى جانب انتاج كميات مقبولة من الطاقة الكهربائية التي يمكن استهلاكها لاحقا على المستوى الصناعي والمنزلي.
هذا النموذج الاولي ناهزت تكاليفه 100 ألف دينار وساهمت هياكل الدولة في انجازه بإشراف كوادر وخبرات تونسية ومكنت من تحويل هذه المادة السامة الى طاقة كهربائية وفق ما افاد به الرئيس المدير العام لشركة خدمات المعاصر احمد العيادي.
ومع ارتفاع اسعار استخراج المحروقات وندرتها على مستوى عالمي نجح الأستاذ والباحث بالمدرسة الوطنية للمهندسين كمال الحلواني بعد دراسات امتدت لسنوات في انتاج ديازال طبيعي من مادة المرجين وهو ما يفضي الى إمكانية تثمينها واستيعاب مئات الالاف من الاطنان المخزنة بجهات البلاد وخاصة بصفاقس الى جانب خلق موارد طاقية ومالية هامة للدولة.
ويعكف الحلواني خلال هذه الفترة على تطوير هذه الأبحاث بمعية مجموعة من الباحثين والطلبة بمدرسة المهندسين بصفاقس بهدف تحسين جودة الديازال المستخرج من المرجين.
هذه الاكتشافات الأخيرة لعملية تثمين مادة المرجين تضع الدولة امام خيار توفير الإمكانيات اللازمة لفائدة الباحثين من اجل تفعيل البحوث العلمية والانطلاق في عملية الإنتاج الفعلي للطاقة والتي تنهك سنويا ميزانية الدولة في حين ان الإمكانيات موجودة وتتطلب إرادة حكومية وسياسية.
رغم تواصل إشكالية نقل وتخزين مادة المرجين فإن الحل يبقى في الدراسات والأبحاث العلمية التي يمكن ان تكون المساعد على تحويل هذه المادة الى مصدر ثروة صديقة للبيئة
كاتب المقال حمدي السويسي