ملحمة 16 جويلية 1881 :صفاقس تضرب يوما مع التاريخ
وعلى إثر هذه الملحة اقتحم المستعمرون المدينة العتيقة التي تعرضت لقصف القوات الاستعمارية وبواخرها الحربية البالغ عددها 21 باخرة والتي دكت أسوار المدينة وخربت بيوتها. ولحقت الأضرار معمار المدينة حيث تضرر السور كثيرا وساء حال القصبة وتهدم ناظور المدينة إلى جانب عديد المنازل وطال القصف الجامع الكبير الذي احتله الجنود الفرنسيون لفترة طويلة واستغلوه كمأوى لهم.
وبعد القصف الذي أحدث أضرارا كبيرة بالدفاعات تم إنزال ما يناهز 3000 جندي فرنسي من المشاة إلي البر وبدأ الغزاة بالسيطرة على الحي الأوروبي ثم قاموا بتفجير باب القصبة لكي يتوغلوا داخل السور، فلقي 40 من المقاومين المتحصنين وراء الباب مصرعهم في الحين. ثم شهدت أنهج المدينة معارك طاحنة دامت ثلاثة أيام أصيب فيها العديد من الجنود الفرنسيين برصاص المقاومين المختفين في كل مكان.
وأسفرت المواجهات يوم 17 جويلية عن استشهاد 300 من أهالي صفاقس و200 من الفرسان الذين قدموا من ضواحي المدينة وأريافها للمشاركة في ردّ الغزاة وسيطرت القوات الفرنسية على المدينة بفضل التفوق العسكري التي تتميز به وتخاذل السلطنة العثمانية عن نجدة المقاومة وسط خراب كبير لحق السور والمباني، وخلفت المعركة ما يقارب ألف شهيد منهم الضابط محمد معتوق و74 أسير من التونسيين مقابل أربعين قتيلا ومائة جريحا في صفوف الفرنسيين.
كما أدانت المحاكم الفرنسية 17 أسيرا أعدموا رميا بالرصاص، تسعة من نفس العائلة وهي عائلة “الكشو”. وفرض الاحتلال غرامة مالية على أهل صفاقس قدّرها بستة مليون فرنك فرنسي لجبر الأضرار الحربية والدمار الذي أصاب بيوت الأجانب المقيمين خارج السور شرقا.
قبل الاحتلال ببضعة أشهر طلب محمد الصادق باي من جميع رعياه بالإيالة التونسية قبول الاستعمار بما أنه قبله وأمر بعدم الانتفاضة ضده، وعلى عكس ما فعلت مدن أخرى رفضت صفاقس الانصياع وقبول الاستعمار وكانت أخر مدينة تونسية سقطت في أيدي القوات العسكرية الفرنسية دون أن تستسلم لإرادة المستعمر والباي والتي جسدتها معاهدة الحماية في 12 ماي سنة 1881.
جهزت صفاقس نفسها وضربت موعدا مع التاريخ فبالرغم من قلة السلاح والذخيرة ساهم كل أهل مدينة صفاقس كل واحد "بمهراس" بيته ليُذاب ويُصنع منها مدفعا جديدا. مازال هذا المدفع من النحاس موجودا إلى حد هذا اليوم في متحف المدينة.
ويذكر أنه تم العثور عند بناء صفاقس الجديدة التي تعرف بحي الشهداء مقابر جماعية تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إلا أن هذا اليوم التاريخي لم يوثق، حسب ما صرح به المؤرخ رضا القلال للديوان إف أم معتبرا هذه الملحمة استثنائية ضد الاحتلال الفرنسي وحولت صفاقس إلى عاصمة وطنية للمقاومة. وأكد المؤرخ ضرورة التفكير في إقامة متحف للمقاومة ومتحف للبحر باعتبار الموقع الاستراتيجي للمدينة أو إعادة رفات الشيخ علي بن خليفة النفاتي قائد حركة المقاومة 1881 من الزاوية الغربية بليبيا.
ويشار إلى أن صفاقس تحيي غدا، 16 جويلية 2019، الذكرى 135 لتأسيس بلدية صفاقس واعتبر القلال أن فرنسا اختارت هذا التاريخ لتأسيس البلدية نفس اليوم من نفس الشهر سنة 1884 سعيا إلى السيطرة الإدارية بعد سيطرتها العسكرية على صفاقس أو ربما ردا على المظلمة التي تعرضت لها المدينة سنة 1881 لتبرز الجانب الناعم للسياسة الفرنسية، حسب تعبيره.
سحر

