من حلق الوادي الى ماربورغ ... الرحلة الجنونية !
![من حلق الوادي الى ماربورغ ... الرحلة الجنونية !](https://diwanfm.net/photos/posts/2020/02/18/970x546-5e4c0ba5f322b5e4c0ba5f322d.jpg)
بدأت في إتمام الإجراءات الأخيرة للسفر ... تأكيد التسجيل بمكتب الشركة التونسية للملاحة ومن ثمة المرور على التفتيش الديواني والأمني ...
تأشيرة تثير الشكوك !!!
داخل أحد المكاتب كانت هناك شرطية ثلاثينية ترتدي زيا مدنيا -أخذت جواز سفري وتمعنت جيدا في وجهي وقالت بنبرة يبدو فيها الكثير من الاستغراب: من أين حصلت على هذه التأشيرة؟
غادرت بسرعة مكتبها حاملة معها الجواز وغابت في احدى المداخل ثم جاءت ومعها شرطي آخر ...سألته هل هناك أي مشكل؟ رد قائلا: لقد استربنا في أمر التأشيرة ...بإمكانك مواصلة طريقك ...
على متن الباخرة قرطاج يلوح البحر هادئا ... شاسعا ...لانهاية له ... حينما أبحرت السفينة تجمعت حولها أسراب من طيور النورس تلقي عليها تحية وداع أخيرة ...بدت كأنها معتادة وروتينية ...
![](https://www.diwanfm.net/stockage/NouveauDossier/%D9%86%D9%88%D8%B1%D8%B3.jpg)
دوّار البحر...
'قرطاج' تتوغّل على مهل في البحر ...هدير محرّك قديم وأجوف ...يحدث اهتزازات جنونية ...فيما يتطاير الرذاذ على جانبي الباخرة ...ويمسح بلطف على نوافذها البلورية...
تتمايل السفينة تارة بعنف وأخرى بلطف في عمق البحر وتمشي ببطئ نحو ميناء جنوة الإيطالي ...داخل الباخرة تفرق المسافرون بين قاعات الجلوس وغرفهم والمقهى في الأعلى ...فيما افترش بعضهم الأرض وغطوا في نوم عميق ...
بعد 4 ساعات من الإبحار بدأت أصاب بدوّار البحر ... آلام في الرأس وصعوبة في المشي بثبات ...
![](https://www.diwanfm.net/stockage/NouveauDossier/jana.jpg)
جنوة مدينة الحفاوة
قضّيت 24 ساعة كاملة على متن 'قرطاج' ... ومن بعيد لاح ميناء جنوة الإيطالي على طرف مدينة يعلوها جبل كبير ...طيور النورس كما في حلق الوادي تحلق حول السفينة وتمارس طقوس الترحيب الخاصة بها مع البواخر القادمة والمغادرة ....
الطقس في جنوة ربيعي دافئ ...الناس رائعون ... يرحبون بك بحفاوة كبيرة: 'بونجورنو ' ...'غراتسي' ... هكذا قالت لي احدى البائعات في مركز التسوّق بالميناء بعدما اقتنيت بعض المشروبات ...
الرحلة الى ماربورغ المدينة التوأم لصفاقس شاقة و طويلة: اثنان و خمسون ساعة ..على متن باخرة و حافلة و مترو و 4 قطارات ...داخل ثلاث دول أوروبية : إيطاليا ثم النمسا و من بعدها ألمانيا ...وهي من تنظيم جمعية صفاقس-ماربورغ التي تبذل منذ سنوات جهودا كبيرة لتعزيز علاقات التبادل الثقافي و الرياضي و الجامعي و العلمي بين المدينتين التوأمين .
![](https://www.diwanfm.net/stockage/NouveauDossier/%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%892.jpg)
قطار الدقيقة الأخيرة
في محطة القطار بجنوة ...انطلق مسار جديد للرحلة ...أكثر من 20 ساعة ...على متن السكة الحديدية ....هنا في أوروبا تختلف الأمور عن تونس ، القطارات تغادر المحطات في موعدها المحدد و ان تأخرت دقيقة واحدة فلن تستطيع اللحاق بأي قطار ...
وحدي لأول مرة في أوروبا ... لا أعرف أحدا ...و هاتفي دون أنترنات ... ركبت أول قطار نحو مدينة ميلانو ...محطة 'ميلانو سونترال' كبيرة جدا ...تعج بالمسافرين ومحلات بيع الأكلة السريعة...قبل نصف ساعة من موعد القطار الموالي ...اكتشفت أنه يتوجب عليّ التوجّه نحو محطة ' بورتو غاري بالدي ' بعد أن سألت أحد موظفي السكة الحديدية...
توجهت بسرعة الى محطة مترو الأنفاق....حاملا حقائبي الثقيلة ... يتصبب جبيني عرقا من وقع الركض ...ونزول المدارج .... لحقت بالقطار قبل دقيقة واحدة من انطلاقه نحو مدينة ميونيخ الألمانية.
سيجارة الوصول
من نافذة القطار ...بدت المدن الأوروبية ساحرة وخلابة ...بمبانيها الحجرية و الخشبية العتيقة وحقولها الخضراء الشاسعة ... ألوان القرميد و المباني تشكل فسيفساء ... الأنهار و الجبال و الطرقات الواسعة ... كل أنماط العمارة هنا ...تجعلك تسافر نحو عقود خلت من تاريخ القارة العجوز ...
داخل القطار المتوجه الى مونيخ ضممت كرسيين الى بعضهما البعض ... غيرت ملابسي وخلدت الى النوم ...كانت الساعة تشير الى السادسة و النصف صباحا عندما أيقظني ثلاثة رجال شرطة ... بادرني أحدهم بالقول :' غوتن مورغن' ... طلب وثائقي الثبوتية ...تفحص سريعا جواز سفري ...وغادر الى عربة أخرى من القطار ... كنا حينها نهمّ بمغادرة مدينة سالزبورغ النمساوية ...
على حدود النمسا و ألمانيا رأيت جبالا يكسو البياض قممها ...الطقس بارد في ألمانيا و عندما وصلت الى ميونيخ أخذت القطار الموالي نحو 'كاسل ' ...في احدى المحطات توقف القطار طويلا ... ولم تبقى لي غير 20 دقيقة للوصول الى كاسل و ركوب القطار الأخير نحو ماربورغ الوجهة الرئيسية .
![](https://www.diwanfm.net/stockage/NouveauDossier/%D9%88%D8%B3%D8%B71.jpg)
في كاسل ركبت القطار المتوجه الى ماربورغ في الدقيقة الأخيرة للمرة الثانية ...لم أصدّق أنني تمكنت من اللحاق به ...من النافذة بدا معمار المباني موغلا في القدم أكثر ... عجائبيا كأنه من القرون الوسطى ... ومع الساعة الثانية مساء وصلت الى ماربورغ قبل موعدي المحدد بأربع دقائق ...تنفست الصعداء و أشعلت أخيرا سيجارة الوصول ...
من بعيد رأيت امرأة قادمة نحوي... انها سوزانا التي سأقضي في منزلها مدة إقامتي في ماربورغ ....
كاتب المقال غازي الدريدي