تونس .... و منعرج جوان 2020
في هذا الإطار يأتي خطاب رئيس الحكومة غدا أمام مجلس نواب الشعب لتقديم مخطط الإنعاش الاقتصادي بعد أزمة الكورونا التي أثرت بصفة مباشرة على النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد مما ادخلها في وضعية غير مسبوقة في تاريخها شانها شان بقية دول العالم .
ولئن كان موضوع الإنعاش الاقتصادي مهما وأساسيا للمستقبل فان الأوضاع الإقليمية أصبحت تمثل اكبر واهم التحديات التي ستعيش على وقعها البلاد في المستقبل المنظور
فقد مثلت مسائلة رئيس مجلس النواب يوم 3 جوان الجاري تاريخا مفصليا ليس في الحياة السياسية الديمقراطية في تونس بل مؤشرا لتموقع البلاد في سياسية المحاور الإقليمية ارتباطا بالوضع في ليبيا . فهذه الأخيرة أصبحت بعد الانتهاء من سوريا بؤرة الصراع الإقليمي المحتدم وهذا ما يفسر عودة الاقتتال بشكل كبير كمقدمة لتطورات لن تشمل ليبيا فقط بل دول المنطقة ككل وأولها الجزائر.
ان الاصطفاف الملحوظ خلال جلسة البرلمان يوم 3 جوان وراء هذا الموقف أو ذلك ادخل البلاد بشكل واضح في سياسية المحاور و الأصوات التي تدعو الى عدم الاصطفاف وراء هذا وذلك لم تكن مسموعة كفاية فكل طرف يعتبر ان اصطفافه هو خدمة لأهداف سياسية تساعده على التموقع في الساحة الداخلية لكن الواقع هو غير ذلك بل ان قوى إقليمية دولية مؤثرة في الوضع في ليبيا هي التي ستكون المستفيد الأبرز من هذا الاصطفاف.
أحداث جوان
أحداث رئيسية ميزت شهر جوان في انتظار إحداث أخرى قد تسجل في باقي أيام الشهر ومن بينها ما شهده مجلس النواب خلال نقاشات مسائلة رئيسه ولائحة طلب فرنسا لاعتذار عن احتلالها لتونس وعودة حراك الكامور ... وزيارة الرئيس قيس سعيد الى باريس ... والحملة على رئيس الحكومة بتهمة شبهة فساد وتضارب المصالح . وفي كل الأحداث تحركت اذرع إعلامية لخلق رأي عام ضاغط على الحكومة وعلى رئيس الجمهورية لإضعاف موقفهما هذا في الوقت الذي كثفت جهات معينة لها مصلحة في إزاحة الفخفاخ بعد رفضه توسع الحكومة مثلما طلب رئيس البرلمان ذلك حملتها اما خوفا من محاسبة قادمة وضرب بؤر الفساد التي تتمعش منه واما بحثا عن تموقع في المرحلة القادمة.
زيارة رئيس الجمهورية الى باريس والتي جدد فيها صراحة موقف تونس الرافض لأي تدخل أجنبي في ليبيا أثارت الانتقادات وصاحبتها عديد التعليقات والأخبار الزائفة منها المتعلق باصطحاب مترجم ومنها الذي أشار الى عدم احترامه من خلال اعتماد فرنسا لبرتوكول لا يتماشى ومنصبه كرئيس للجمهورية وغيرها و قد وظف الفيسبوك لإبعاد الرأي العام على فهم مرامي الزيارة وهو بحث الوضع المتوتر في ليبيا وموقف فرنسا من الصراع الحالي في ظل تنامي الدور التركي عسكريا و اهتمام روسي ومصري وبريطاني و امريكي بما يدور على الأرض. لقد كان من المفروض ان يهتم الراي العام في تونس من خلال التحاليل والاستشراف بما يجري في جارتنا الجنوبية نظرا لخطورته على مستقبل المنطقة مثلما اهتم بالكورونا إلا ان الرأي العام وجد نفسه ضحية لسياسة إعلامية تظليلية تحركها أطراف مختلفة تعمل على إلهائه على الموضوع الرئيسي.
افتعال و الهاء
هذه السياسة الإلهائية مست رئيس الحكومة الياس الفخفاخ أيضا فرغم أن المصادقة على قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني يعد مرحلة مفصلية في تاريخ تونس ونقلة نوعية في التعاطي الاقتصادي والاجتماعي بمقاربة جديدة مهمة وأساسية في تقليص الفوارق الجهوية و الطبقية والاجتماعية الا ان هذا الموضوع مر مرورالكرام بل انطلقت حملة ممنهجة على الياس الفخففاخ بدعوى تضارب مصالح والانتفاع بمشاريع حكومية قامت بها شركته حسب ما صرح به نائب في مجلس النواب سريعا ما تبنت تصريحه عديد الأطراف المتناقضة سياسيا لكنها تتقاسم إصدار نفس التهم ولكل منها حسابه الشخصي او ما يعتقد مصلحته الشخصية . وهي نفس الطريقة التي اعتمدت ضد احد الوزراء السابقين الفاضل عبد الكافي .
أمام انتشار هذه التهمة فقد أصبح من العسير جدا ان تبحث عن الحقيقة بل ان تنشر الحقيقة فكل مجهود في هذا المجال سيصدم بكمية الشائعات المسربة والتي تداولها البعض عن حسن نية غير عغارف بمن هو ورائها ولا بغاياتها وهكذا اصبح الجميع مدافعا على الفضيلة والنظافة غير عابئ بان الحملة مدبرة وهي تتعدى المصالح المادية الى مصالح سياسة داخلية وحتى إقليمية
عديدة هي الأطراف التي تريد الإطاحة برئيس الحكومة ومن ثم ضرب موقع رئيس الجمهورية ولكل حساباته الضيقة وهو يعتقد انه قادر على جني ثمار لشخصه او لحزبه او لا يديولوجيته
لكن الواقع عكس ذلك تماما فان اشتداد الأزمة في البلاد سيضعفها أكثر ويجعلها عرضة للاصطفاف وراء هذه القوة او تلك
ان تصريح احد منسقي تحرك الكامور أمس بخصوص تصدي متساكني تطاوين لمجموعة من الشباب قدمت من مناطق أخرى له أكثر من دلالة على ان أطرافا تريد صب الزيت على النار في الكامور خدمة لهدف غير معلن ولا يعرفه حتى المشاركين فيه
وهذا ينطبق على مناطق أخرى في البلاد فلا غرابة ان تنطلق تحركات شعبية أخرى بدعوى المطالبة بالتنمية والتصدي للتهميش وتحميل الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع نظرا لسياساتها الفاشلة واختياراتها غير الصائبة متناسين ان تونس مازالت تحت وقع جائحة الكورونا
الأكيد ان تدخلات السادة النواب غدا بعد خطاب رئيس الحكومة ومثلما عشناه في السابق ستحمل في طياتها اتهامات مباشرة وحتى المطالبة بالاستقالة بتهمة تضارب المصالح والاستفادة من الموقع والفشل في إدارة أزمة الكامور وفقدان التشغيل وهشاشة الأوضاع
لن يترك الضجيج الأصوات العاقلة من الوصول فهذه الأصوات لاتدخدم مصالح شخصية ولا ايدلوجية ولا إقليمية ولا حزبية بل وطنية وحال لبنان احسن مثال على ما يمكن ان تصبح عليه تونس.
حافظ الهنتاتي
كاتب المقال La rédaction