رسائل استراتيجية في قمة شنغهاي 2025

وجاءت هذه القمة لتعكس التحولات المستمرة في موازين القوى العالمية، وتؤكد التوجه نحو تعزيز التعاون الإقليمي في الأمن والاقتصاد والتنمية المستدامة
وعلى هامش القمة، أكدت الخارجية الصينية أن بعض قادة الاتحاد الأوروبي ما زالوا يتبنون سياسات عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي، معتبرة أن هذه السياسات تعمل على زراعة الانقسامات والمواجهات. وأوضحت الصين أن علاقاتها الدولية لا تستهدف أي دولة بعينها، وأن الشراكة مع روسيا تمثل ركيزة لتعزيز الاستقرار والسلام العالمي، بعيدًا عن الصراعات التصادمية التي تسعى بعض القوى الغربية إلى تصويرها.
وتعتبر منظمة شنغهاي للتعاون، التي تأسست عام 2001، ثمرة تطور مبادرات أمنية واقتصادية بدأت بين الصين وروسيا في التسعينيات لمواجهة التحديات الأمنية في آسيا الوسطى، خصوصًا مكافحة الإرهاب، والانفصالية، والجريمة المنظمة.
ومع مرور السنوات، توسعت المنظمة لتشمل الهند وباكستان ودولًا أخرى، ما حولها من تحالف إقليمي أمني إلى تكتل متعدد الأبعاد يغطي الاقتصاد والبنية التحتية والطاقة.
استعراض عسكري صيني ورسائل استراتيجية
واختتمت الصين فعاليات قمتها بعرض عسكري ضخم في بكين بمناسبة مرور 80 عامًا على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. وشمل العرض ترسانتها العسكرية البرية والبحرية والجوية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، الطائرات بدون طيار العملاقة، والغواصات الذكية، وأنظمة التفوق الجوي والليزر.
ويرى خبراء أن الحضور الرباعي في هذا الاستعراض العسكري يمثل رسالة رمزية واضحة حول التحالفات الاستراتيجية، إذ جمع الرئيس الصيني وزعماء روسيا وكوريا الشمالية والهند، في وقت غابت فيه القوى الغربية، في إشارة إلى تعددية موازين القوى على الساحة الدولية. وأكدت الصين في خطابها على أهمية تبني نظام عالمي جديد يقوم على العدالة والتوازن بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
مخرجات القمة الاقتصادية والأمنية
وشهدت القمة اعتماد عدة قرارات مهمة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، أبرزها إنشاء بنك التنمية التابع لمنظمة شنغهاي لدعم المشاريع المشتركة، على غرار نموذج بنك التنمية لدول بريكس.
كما تضمنت المخرجات إنشاء مراكز مشتركة للتعامل مع التحديات الأمنية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات، إضافة إلى توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والتقنية الرقمية والبنية التحتية
واعتبر مراقبون أن حضور القمة بهذا المستوى الرفيع من قادة الدول مؤشر على تزايد نفوذ المنظمة وفاعليتها على الساحة الدولية، ويعكس إرادة الدول الأعضاء في صياغة سياسات مشتركة تؤسس لنظام إقليمي متكامل قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المستقبلية
وتوج اللقاء الروسي الصيني خلال زيارة الرئيس بوتين للصين بإنشاء خط أنابيب الغاز الجديد "قوة سيبيريا 2". ومن المتوقع أن ينقل الخط نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من حقول سيبيريا مرورًا بمنغوليا إلى الصين، بأسعار تتوافق مع آليات السوق.
ويعد المشروع الأكبر عالميًا في قطاع نقل الغاز الطبيعي، إذ يربط أكبر احتياطيات الغاز الروسية بأكبر مستهلك للطاقة في العالم. ويسهم في تأمين مصدر طاقة مستقر للصين، وتقليل اعتمادها على الغاز الأوروبي والأسواق المتقلبة، ويعكس مستوى التنسيق الاستراتيجي بين البلدين لمواجهة الضغوط الدولية
تمثل هذه القمة مرحلة مهمة في إعادة رسم موازين القوى العالمية، حيث تؤكد الصين وروسيا والهند وكوريا الشمالية على تعزيز التحالفات متعددة الأقطاب. وتوضح الرسائل العسكرية والاقتصادية معًا أن الدول المشاركة تبحث عن استقرار طويل الأمد لمصادر الطاقة، وتنسيق أمني، وتكامل اقتصادي، بعيدًا عن التأثيرات الغربية التقليدية.
كما يشير إنشاء بنك التنمية ومراكز الأمن المشترك إلى تحول عملي نحو تنظيم إقليمي أكثر استقلالية، قادر على دعم المشاريع التنموية الكبرى وتأمين مصالح أعضائه، بما يعزز مكانة منظمة شنغهاي على الساحة الدولية ويثبت فعالية التعاون بين الدول الأعضاء