وزارة الشؤون المحلية بعد الانتخابات البلدية: وجود صوري...ام ضروري؟

تتضمن أحكام السلطة المحليّة والحكم المحلي في تونس تفسيرا واضحا لمفهوم جديد للحكم يقوم أساسا على مبدأ اللامركزية والتدبير الحرّ في سبيل إعطاء البلديات إستقلالية مالية وإدارية أكبر في ممارسة مهامها، وحتى تتمكن من تسيير مرافقها المحلية بكفاءة واقتدار...
تفاصيل هذا التمشّي تعرضه مجلّة الجماعات المحلية التي تمّت المصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب قبل الإنتخابات، ولكن حتى بعد إجراء الإنتخابات البلدية والإعلان عن نتائجها الأولية، لا يزال الغموض يكتنف دور وزارة الشؤون المحلية، حيث يتساءل الكثيرون عن صلاحيّات هذه الوزارة مستقبلا؟ وهل ستكون صوت المحليات في المركز أم يد المركز على المحليات؟

تم فصل وزارة الشؤون المحلية عن وزارة الداخلية سنة 2016، حيث كانت وزارة البيئة والشؤون المحلية قبل الانتخابات البلدية تهتم بشؤون البلديات وكل ما يتعلق بالمجالس البلدية والمجالس الجهوية.

من الاشراف...الى المرافقة بصلاحيات محدودة

بعد إجراء الانتخابات البلدية لم يعد بالإمكان الحديث عن دور الاشراف على الجماعات المحلية الذي كانت تضطلع به وزارة الشؤون المحلية في ما مضى، هكذا يرى العميد السابق لكلية الحقوق بصفاقس ناجي البكوش، مشددا على أن دور الوزارة سيقتصر مستقبلا على مرافقة الجماعات المحلية و السّهر على احترام القانون و دعم مسار اللامركزية من خلال مساعدة البلديات و خاصة منها المحدثة أو التي تمت توسعة مجالها الجغرافي(86 بلدية موزعة على كامل تراب الجمهورية) على تعزيز مواردها الذاتية بما يضمن تكافؤ الموارد و الأعباء، حسب قوله.
ويعتبر البكوش أنّه لم يعد من شأن وزارة الشؤون المحليّة إسداء التعليمات أو المصادقة على القرارات كما في السابق، حيث صار الوزير بعد الانتخابات البلدية غير قادر،برأيه، على اتخاذ قرار او الغاء آخر، عدى في الحالات القصوى من قبيل إيقاف المجلس الجهوي او البلدي عن العمل لمدة لا تتجاوز 3 أشهر في صورة نشوب خلاف حاد قد يعطل مصالح المواطنين، مستدركا "و حتى هذا القرار لا يمكن للوزير اتخاذه الا بعد التعليل و استشارة المجلس الأعلى للجماعات المحلية.

المصلحة تقتضي الإبقاء على الوزارة بصفة مؤقتة

وحول إمكانية الغاء هذه الحقيبة الوزارية، قال البكوش "ان بقاء الوزارة من عدمه او الحاقها او ادماجها بوزارة أخرى...يظلّ خيارا سياسيا، الاّ انّ المصلحة تقتضي الإبقاء عليها بصفة استثنائية مؤقتة لمساعدة البلديات الجديدة التي تحتاج الى دعم من السلطة المركزية خاصة من حيث توفير وتعبئة الموارد المالية الضرورية والملائمة لإرساء مسار اللامركزية "، على حد تعبيره
بدوره أكّد أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية عصام بن حسن ضرورة الإبقاء على هذه الوزارة خاصة وانّه منوط بعهدتها مهمة الاستشراف ومرافقة المسار اللامركزي، مشيرا الى ان أهمية الدور الذي ستتكفل به الوزارة يكمن في توفيرها للإمكانيات والخبرات، ومرافقة الجماعات المحلية حتى تقوم بالدور المرجو منها، بالإضافة الى استشراف الصعوبات والعمل قدر الإمكان على تذليلها، ومحاولة تحسين الإطار التشريعي والترتيبي المنظم للجماعات المحلية.
كما شدد بن حسن على ضرورة قيام وزارة الشؤون المحلية عامة والهيئة العامة للاستشراف ومرافقة المسار اللامركزي التابعة لها، بالدراسات اللازمة لبلورة المقاربة الوطنيّة لمرحلة إرساء اللامركزيّة ومرافقة الجماعات المحليّة ودعم قدراتها على مباشرة الصلاحيات الجديدة المزمع إحالتها إليها وضمان استمرارية الخدمات المقدمة دون الحطّ من جودتها وتوفرها من ناحية، وضمان التوازنات الداخلية للجماعات المحلية من ناحية ثانية.

مؤقت... لسنوات طويلة!

أستاذة القانون الإداري في الجامعة التونسية منى غيازة، تؤكد هي الأخرى على أهمية دور وزارة الشؤون المحلية في دفع مسار اللامركزية في تونس، موضحة ان مبدأ التدرج في تركيز مسار اللامركزية والإبقاء على الوزارة بصفة استثنائية مؤقتة قد يستغرق سنوات طوال، قائلة: 'الانتخابات البلدية هي حجر الأساس ونقطة انطلاق المسار ولكنها ليست المسار برمّته، فاللامركزية لا تؤسس بين عشية وضحاها.
كما شددت الأستاذة منى غيازة على ضرورة تواصل عمل وزارة الشؤون المحلية التي ترى انها ستضطلع في المرحلة القادمة بأدوار مهمة على غرار مرافقة مسار اللامركزية، إعداد مشاريع النصوص القانونية المتصلة بمجال إرساء اللامركزية وبإدارة شؤون الجماعات المحلية وتوفير الاستشارات القانونية حول المسائل المرتبطة بمجالات اختصاصها، الاشراف على بعض المهام من قبيل الحاق الموظفين و العمل على تطوير قدرات الجماعات المحلية وتأهيلها للاندماج في هذا المسار، علاوة على اعتبارها وسيطا في ابرام اتفاقيات بين السلطة المركزية و الجماعات المحلية لتدعيم الموارد المالية و البشرية للجماعات المحلية...

مثلت الانتخابات البلدية في تونس حجر الأساس لإرساء مسار اللامركزية واستكمال البناء الديمقراطي، ولعل أبرز ما ينتظره المواطن من المجالس البلدية المنتخبة هو تجسيم آماله وتطلعاته وتحقيق التنمية المحلية من خلال فلسفة التدبير الحر التي تقطع مع سياسة إدارة الشأن المحلي من المركز.

تحرير :فؤاد مبارك