طوفان الأقصى : ملحمة المقاومة من أجل تحرير فلسطين

وأعلن محمد الضيف، قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في رسالة صوتية عن انطلاق عملية 'طوفان الأقصى ' قائلا :''نعلن بدء عملية طوفان الأقصى بضربة أولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية للعدو. وأضاف أن هذه الضربة الأولى تجاوزت 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال أول 20 دقيقة من العملية''.
وأسفرت العملية خلال ساعاتها الأولى عن مقتل المئات بين جنود بجيش الكيان ومستوطنين، وأسر أكثر من 100، بعضهم جنود، وأدت إلى إغلاق المطارات المحلية وسط وجنوب الكيان أمام الاستخدام التجاري، وألغيت عشرات الرحلات الجوية إلى تل أبيب بمطار بن غوريون.
في المقابل أعلن الكيان المحتل عن اطلاق ما أسماه بعملية 'السيوف الحديدية ' حيث شن ضربات مكثفة على قطاع غزة، مع إعلان حصار كامل على القطاع، شمل إيقاف دخول الإمدادات (طعام، دواء، وقود، كهرباء).
و توزّعت المعارك بين الاشتباكات البرية، القصف الجوي، استخدام المدفعية، و الصواريخ و المسيرات واستهداف البنى التحتية.
المسار السياسي : الهدن و اتفاقيات وقف اطلاق النار
بعد أسابيع من القتال العنيف، تم التوصّل إلى هدنة مؤقتة في 21 نوفمبر 2023 (أربعة أيام)، بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، تضمنت إطلاق عدد من أسرى الكيان المحتل مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين.
تم تمديد الهدنة لعدة أيام إضافية، لكن في 1 ديسمبر 2023 أعلن الكيان المحتل استئناف القصف، مبررا أن حماس رفضت تمديد الاتفاق أو التزام ببنوده.
ووقع الاتفاق في 15 جانفي 2025 على صفقة تبادل أسرى وجولة تهدئة تبدأ في 19 جانفي 2025، بين الكيان المحتل وكتائب المقاومة، ضمن مقترح مكوّن من ثلاث مراحل.
واستمرت المرحلة الأولى من الاتفاق لمدّة 42 يومًا تقريبًا، تضمنت إطلاق سراح عدد من الأسرى ، وانسحاب جزئي للاحتلال من بعض المناطق.
في 18 مارس 2025 استأنف الكيان المحتل القصف الشامل مجددًا، معلنا نهاية الهدنة من جانبه.
والأسبوع الماضي، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطة مؤلفة من 20 بنداً تنص خصوصاً على وقف إطلاق نار فوري، وإطلاق «حماس» جميع الأسرى، ونزع سلاح الحركة، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة.
وعشية الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، بدأت في منتجع شرم الشيخ المصري الاثنين المنقضي مفاوضات غير مباشرة بين وفدي «حماس» و الاحتلال للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة ترمب.
من مذكّرة اعتقال نتنياهو الى تأكيد الابادة الجماعية
في 29 ديسمبر 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد الكيان المحتل في محكمة العدل الدولية، انضمت اليها لاحقا عدة دول، وذلك بتهمة انتهاك الكيان اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 التي تنص على منع الإبادة الجماعية ومعاقبة المتورطين فيها.
و أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاحتلال ويوآف غالانت وزير الدفاع السابق والقائد في حركة حماس محمد دياب إبراهيم المصري (المعروف باسم الضيف) بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
بدورها أصدرت محكمة العدل الدولية أواخر جانفي 2024 حكما أوليا في القضية،التي رفعتها جنوب افريقيا إذ أمرت الكيان المحتل باتخاذ جميع التدابير لمنع الأعمال التي يمكن أن تندرج تحت اتفاقية الإبادة الجماعية.
من جانبها خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة الى أن الكيان المحتل ارتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبيّنت في تقرير أصدرته في سبتمبر 2025 أن الكيان المحتل '' ارتكب أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة" التي حددتها "اتـفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" لعام 1948، وهي "القتل، والحاق أذى جسدي أو عقلي خطير، وفرض ظروف معيشية متعمدة يراد بها تدمير الفلسطينيين كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحيلولة دون الإنجاب".
وأوصت اللجنة الدول الأعضاء بوقف نقل الأسلحة والمعدات الأخرى التي قد تستخدم في ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية إلى الكيان؛ وضمان عدم تورط الأفراد والشركات في أراضيها وضمن ولاياتها القضائية في المساعدة على ارتكاب الإبادة الجماعية أو التحريض على ارتكابها، واتخاذ إجراءات المساءلة من خلال التحقيقات والإجراءات القانونية ضد الأفراد أو الشركات المتورطة في الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر.
المواقف الدولية : الحراك الانساني العالمي و الاعتراف بالدولة الفلسطينية
بعد السابع من أكتوبر 2023 بدأت موجة تضامن عارمة مع القضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم ، شملت الاحتجاجات في الشوارع والساحات العامة و الجامعات ، حيث خرجت أعداد حاشدة من المتظاهرين في كبرى العواصم الغربية و الدول العربية و الاسلامية..، للمطالبة بوقف حرب الابادة الجماعية و التجويع التي يشنها الكيان المحتل في غزة و ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع المحاصر.
وفي شهر جوان 2025 أبحرت من ميناء كاتانيا الإيطالي ، مادلين ، وهي السفينة السادسة و الثلاثين ضمن أسطول تحالف الحرية وذلك بهدف كسر الحصار عن غزة حاملة على متنها 12 ناشطا من جنسيات متعددة، إضافة إلى مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والمعدات الطبية ، فيما أبحرت سفينة حنظلة في شهر جويلية 2025 من ايطاليا نحو غزة و على متنها 15 ناشطا و قد اعتضرت بحرية الاحتلال السفينتين و اختطفت النشطاء على متنهما و أصدرت أوامر ترحيل بشأنهم.
في شهر سبتمبر المنقضي بدأت عشرات السفن التي أبحرت من اسبانيا و تونس و ايطاليا و اليونان في التجمع في عرض البحر ضمن أسطول الصمود العالمي في أول حراك بحري بهذا الحجم يضم مئات النشطاء وذلك بهدف كسر الحصار عن غزة وقد أدى اعتراض بحرية الاحتلال سفن الأسطول و اختطاف نشطائه الى احتجاجات عارمة و اضرابات في ايطاليا و تونس و عدة عواصم غربية وذلك للمطالبة باطلاق سراح ناشطي الأسطول ووقف حرب الابادة الجماعية .
وخلال الشهر ذاته اعترفت كل من بريطانيا و فرنسا وبلجيكا و كندا و أستراليا و البرتغال ولكسمبورغ و مالطا وأندورا وموناكو و سان مارينو بالدولة الفلسطينية ليرتفع اجمالي الدول التي اعترفت بفلسطين الى حوالي 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
غزّة تحت النار : قوافل من الشهداء تهجير واسع ودمار
لم تتوقف آلة الحرب الصهيونية بعد عامين من اطلاق عدوانها و ابادتها الجماعية ضد متساكني غزة عن القتل و التدمير ولم تستثن أحدا من الأطفال الى الشيوخ و النساء و المدنيين العزل و طواقم الاسعاف و الصحفيين و المدارس و المستشفيات و المساجد مع شن حصار مطبق و تجويع ممنهج خلف دمارا شاملا وتهجيرا كبيرا للسكان فيما بلغ عدد الشهداء و المفقودين منذ 7 أكتوبر 2023 نحو 73 ألفا و731 فلسطينيا، من بينهم أكثر من 64 ألفا و300 شهيد، وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، بينما لا يزال أكثر من 9500 مفقودا تحت الركام أو مجهولي المصير ، حسب المكتب الاعلامي الحكومي في غزة .
في المقابل أعلنت وزارة دفاع الكيان المحتل أن عدد قتلى الجيش والأمن منذ 7 أكتوبر 2023 وصل إلى 1150 منهم 1035 جنديا.
وفي السياق ذاته، نقلت القناة 12 العبرية عن مؤسسة التأمين أن نحو 80 ألف شخص بالكيان المحتل صنفوا على أنهم "مصابون بأعمال عدائية"، وأن نحو 30 ألف صنفوا بأنهم مصابون باضطرابات نفسية منذ 7 أكتوبر 2023.
لم تنجح المساعي الدبلوماسية و السياسية الدولية و جهود الوساطة الى حد الآن في وقف حرب الابادة الجماعية التي يشنها الكيان المحتل في غزة نظرا لمساندة الولايات المتحدة الأمريكية القوية للكيان المحتل والوقوف في وجه كل قرارات وقف اطلاق النار داخل مجلس الأمن و مواصلة تزويد الاحتلال بالعتاد العسكري و الحربي المستخدم في ابادة المدنيين.
ورغم ذلك لم يحقق الكيان الصهيوني أي هدف معلن من حرب الابادة التي يشنها منذ عامين و تواصل المقاومة الصمود و الحاق عديد الهزائم به فيما سقطت سردية الكيان الذي أصبح منبوذا أمام الحراك الانساني العالمي و المساندة القوية من الشعوب الحرة لقضية التحرر الفلسطينية العادلة.