مئات الضحايا واشتباكات متواصلة: ماذا حدث في الساحل السوري؟

بدأت الاشتباكات عندما هاجمت مجموعات مسلحة مواقع عسكرية ومدنية وطرقا رئيسية في أربع محافظات سورية هي اللاذقية، طرطوس، حمص، وحماة، بشكل منسق ومتزامن.
وتفاقمت الأوضاع مع استقدام الدولة السورية تعزيزات عسكرية ضخمة إلى أربع مناطق ساحلية: اللاذقية، طرطوس، جبلة، وبانياس. وأسفرت المواجهات عن سقوط آلاف القتلى من الطرفين، بالإضافة إلى عدد كبير من المدنيين، بينهم شخصيات معارضة لنظام الأسد وأقاربهم.
ومنطقة الساحل السوري، التي تمتد على طول 180 كيلومترا بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، تعتبر من أهم المناطق الجغرافية والاستراتيجية في سوريا، وهي المعقل الرئيسي للطائفة العلوية التي ينتمي إليها رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد، والذي اُتهم بقمع الثورة السورية منذ بداياتها.
بداية الأحداث:
انطلقت الشرارة الأولى في قرية بيت عانا شرق منطقة جبلة في محافظة اللاذقية، عندما نصب مسلحون مجهولون كمينا لدورية تابعة للأمن الداخلي السوري، ما أدى إلى مقتل أحد عناصر الأمن. هذه القرية هي مسقط رأس العميد سهيل الحسن، المعروف بـ"النمر"، والذي كان قائدا لقوات النمر في جيش النظام السابق.
توسع الاشتباكات:
بعد الحادثة الأولى، انتشرت الهجمات لتشمل مدن جبلة، بانياس، طرطوس، واللاذقية، بالإضافة إلى العديد من البلدات والقرى في تلك المحافظات.
استهدفت المجموعات المسلحة مواقع عسكرية ومدنية، بما في ذلك طرق رئيسية خاصة الطرق التي يربط حمص باللاذقية مرورا بطرطوس وبانياس وجبلة، او الواصلة بين حلب واللاذقية.
تعرضت قوات الأمن الداخلي لكمائن متعددة، أبرزها في ريف جبلة، حيث قُتل 13 عنصرا من الشرطة.
أمام هذا التصعيد، أصدرت وزارة الدفاع السورية أوامر بالاستنفار الكامل لكافة الوحدات والثكنات العسكرية في إدلب وحلب وحماة وحمص، وإرسال أرتال عسكرية نحو مناطق المواجهات في الساحل السوري.
تعرضت بعض هذه الأرتال لكمائن منظمة من قبل عناصر النظام السابق، مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الجيش السوري الجديد، وأجبر أخرى على التراجع وتغيير مساراتها باتجاه مناطق المواجهات.
حصيلة الضحايا:
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الاشتباكات أسفرت عن سقوط 973 قتيلا منذ 6 مارس، معظمهم من المدنيين، مع وقوع مجازر مروعة، أبرزها في مدينة بانياس، حيث قُتل أكثر من 60 شخصا خلال هجمات عنيفة.
لجوء إلى قاعدة حميميم الروسية:
تصاعدت حدة المواجهات بين الفلول والقوات الحكومية، دفع أعدادا كبيرة من المدنيين للجوء إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم بريف اللاذقية.
وأشار بعض النشطاء إلى احتمال وجود علاقة لضباط روس بالتطورات، خاصة أن القاعدة تضم ضباطا من الأمن والجيش كانوا في النظام السابق.
ونُشرت تسجيلات صوتية تظهر دورا لضباط سوريين سابقين لهم علاقة بالقاعدة الروسية.
من يقف وراء عناصر النظام السابق؟
أكدت الحكومة السورية وجود أسماء مرتبطة بالنظام السابق، مثل العميد غياث دلا، أحد قادة "الفرقة الرابعة" التي كان يقودها اللواء ماهر الأسد، واللواء إبراهيم حويجة، أحد قادة المخابرات الجوية الذي اعتُقل خلال العمليات، وياسر الحجل، ومحمد محرز، ومقداد فتيحة. وتصدر هؤلاء قيادة العمليات المسلحة المعادية للدولة، وأعلنوا عن "المجلس العسكري لتحرير سوريا" انطلاقًا من مناطق الساحل.
ردود الفعل الدولية:
وصفت كل من بريطانيا وفرنسا المواجهات الدامية في الساحل السوري بأنها "مروعة وغير مقبولة"، ودعت السلطات السورية إلى وضع مسار واضح للعدالة الانتقالية.
الإجراءات الحكومية:
في مواجهة التصعيد، أعلنت السلطات السورية ممثلة في الرئيس احمد الشرع عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، بهدف الكشف عن أسباب وملابسات ما حدث، وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات بحق المدنيين والاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش.
الوضع الحالي:
رغم اعلان الحكومة السورية عن عودة الهدوء، لا تزال الأوضاع متوترة في مناطق الساحل السوري مع استمرار بعض الاشتباكات بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة المرتبطة بالنظام السابق. فيما تُبذل جهود محلية ودولية لتهدئة الوضع ومنع انزلاق البلاد نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار.