شراكة القطاع العامّ والخاصّ حلّ لإنجاز مترو صفاقس؟

في هذا الإطار أعلن وزير النقل معز شقشوق خلال شهر ديسمبر 2020 أن الدولة ستعتمد على الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لتمويل إنجاز هذا المشروع والشروع فيه قبل موفىّ 2021 وذلك بناء على دراسة وقع إنجازها وأثبتت أن هذا المشروع لا يقدّم مردودية كبيرة وأن الاستثمار في هذا المشروع فيه مجازفة

يسعى هذا التقرير إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:

ما معنى الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ؟

لماذا اختارت وزارة النقل هذا التمويل لإنجاز مشروع الميترو الخفيف؟

وهل سيقبل المجتمع المدني بصفاقس بحلّ التمويل المشترك؟

         معنى الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ؟

الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) هي طريقة للتمويل تدعو الدولة من خلالها مسدييي الخدمات من القطاع الخاص إلى تمويل وإدارة المشاريع ذات البعد العمومي.

وفي المقابل يتلقى الشريك الخاص أقساطا مالية من الشريك العام أو من مستخدمي الخدمة التي يديرها

ظهرت الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لأول مرة في بريطانيا سنة 1992 في ظروف عالمية تميزت بانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين سنة 1989 وتوجه دول أوروبا الشرقية إلى التراجع عن النموذج المرتكز على دور الدولة في التخطيط الاقتصادي.

وفي تونس تخضع هذه الالية إلى القانون عدد 49 لسنة 2015 مؤرخ في 27 نوفمبر 2015 المتعلّق بعقود الشّراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
ويهدف إلى تنويع آليات تلبية الطلبات العمومية ومصادر تمويلها بغاية تطوير البنية التحتية وتدعيمها ودفع الاستثمار العمومي بالاشتراك بين القطاع العام والقطاع الخاص والاستفادة من حرفية القطاع الخاص وخبرته.

وعقد الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص هو عقد كتابي لمدّة محددة، يعهد بمقتضاه شخص عمومي إلى شريك خاص بمهمة شاملة تتعلق كليا أو جزئيا بتصميم وإحداث منشآت أو تجهيزات أو بنى تحتية مادية أو لامادية ضرورية لتوفير مرفق عام.

ويشمل عقد الشراكة التمويل والإنجاز أو التغيير والصيانة وذلك بمقابل يدفع إلى الشريك الخاص من قبل الشخص العمومي (الدولة والجماعات المحلية وكذلك المؤسسات والمنشآت العمومية المتحصلة، مسبقا، على موافقة سلطة الإشراف لإبرام عقد الشراكة) طيلة مدة العقد طبقا للشروط المبينة به ويشار إليه بعقد الشراكة.
ولا يشمل عقد الشراكة تفويض التصرف في المرفق العام.
         لماذا اختارت وزارة النقل شراكة القطاع العام والخاصّ لإنجاز المشروع؟

أثبتت الدراسات التي أقيمت حول مشروع المترو الخفيف بصفاقس أنه مشروع ضخم من ناحية التمويلات والاعتمادات حيث أن الدولة في ظل الوضعية المالية التي تمرّ بها بسبب ارتفاع المديونية في الخارج لا تستطيع لوحدها توفير التمويلات اللازمة في إطار الميزانية العادية إذ تقدّر القيمة المالية للجزء الأول من المشروع الي يمتد على طول 13.5 كم بحوالي 1000 مليون دينار

في مقابل ذلك رغبة المستثمرين الأجانب في الاستثمار بالشراكة مع الدولة التونسية في مشروع الميترو الخفيف بصفاقس وهو ما أثبتته الدراسة التي قام بها للغرض خبيران فرنسيان شجّعت وزارة النقل على اللجوء إلى شراكة القطاع العام والخاص

رغبة المستثمرين الأجانب تفسّر بتمكينها بصفة حصرية من عقود الصيانة الخاصّة بالمشروع وعقد المساعدة على الاستغلال إلى جانب ضمان تكفّل الدولة بتعويض الفارق في الكلفة بالنسبة لتكاليف التذاكر

كما سيمكّن التوجه نحو تمويل المشروع بين القطاع العام والقطاع الخاص شركة الميترو الخفيف من ربح الوقت والمال عبر تجاوز مرحلة إعداد الدراسات التفصيلية للمشروع وفتح طلب العروض لإنجاز المشروع وتحديد كلفته بناء على مرحلة الدراسات التمهيدية التي انتهت منها الشركة منذ 2019

         رئيس الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والخاص: يمكن أن يتم المشروع عن طريق هذه الشراكة

أفاد رئيس الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والخاص عاطف المجدوب أن مشروع المترو الخفيف بصفاقس يمكن ان يتم إنجازه عن طريق الشراكة بين القطاع العام والخاص مبيّنا في هذا الإطار أن أي مشروع يجب الإعداد المسبق والجيّد له من حيث مدى قابليته للإنجاز عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص مشيرا إلى أنه يجب في مرحلة أولى دراسة مدى مردودية المشروع من مختلف الجوانب القانونية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وهو ما وقع بالنسبة لمشروع المترو الخفيف بصفاقس:

حيث أوكلت الهيئة دراسة مدى قابلية انجاز المشروع عن طريق الشراكة بين العام والخاص إلى خبيرين فرنسيين وتفيد المعطيات اهتمام عدد كبير من المستثمرين والجهات الممولة من مختلف أنحاء العالم بهذا المشروع

أما المرحلة الثانية فتشمل دراسة الاستدامة المالية للمشروع ومدى استعداد المالية العمومية وقدرتها على خلاص المستثمرين على مدى سنوات استغلال المشروع مشيرا إلى أن هذه المرحلة قد أوشكت على الانتهاء

وأضاف المجدوب أن الوزارة المكلفة بالمالية هي الجهة المخول لها قانونيا لإبداء راي معلّل في موضوع الاستدامة المالية للمشروع بناء على وضعية الميزانية العمومية وعلى أولوية المشاريع المبرمجة من قبل الدولة

أما بخصوص عدم مردودية المشروع فأكد رئيس الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والخاص على أن المسالة لا تتعلق بالمردودية المالية للمشروع وإنما بمدى قدرة الماليّة العمومية على تحمّل الاثار المالية لهذا المشروع من خلال الاستجابة والالتزام بخلاص مستحقات المستثمر الخاص في الآجال طيلة مدة استغلال المشروع وذلك بالنظر إلى التعريفة المنخفضة والتي لا تغطي الكلفة الحقيقية لخدمة النقل

وهذا يتجلى كذلك حتى بالنسبة للشركات العمومية للنقل البري التي تعاني من صعوبات مالية تجعلها غير قادرة على القيام بصيانة وتعهّد أسطولها بما يضمن جاهزية عالية وبالتالي تقديم خدمات ذات جودة للحرفاء  

         هل سيقبل المجتمع المدني بصفاقس بحلّ التمويل المشترك؟

إعلان وزير النقل عن التوجه نحو الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص لتمويل انجاز مشروع الميترو الخفيف في صفاقس مع حديثه عن المردودية غير الكبيرة للمشروع قابله جدل في أوساط المجتمع المدني بالجهة بين متمسّك بحقّ الجهة في التمويل العمومي على غرار عدد اخر من المشاريع المماثلة التي أنجزت في مناطق أخرى وبين مطالب بالتسريع في إيجاد ممولين لهذا المشروع حتى لا يتأخر أكثر في الإنجاز  

الدكتور عبد الجليل قدورة رئيس جمعية بيت الخبرة عبّر عن خشيته من فشل هذا المشروع داعيا إلى التصدّي إلى هذه الالية من التمويل في النقل العمومي مشيرا إلى أنه يمكن الاعتماد على الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مشروع أخرى على غرار مشروع تبرورة

كما طالب قدورة بتمكين المجتمع المدني في الجهة في أقرب الآجال من نتائج الدراسة التي قام بها الخبيران الفرنسيان حول مدى استعداد مصادر التمويل في العالم للدخول في مشروع الميترو الخفيف بصفاقس حتّى لا تتكرّر تجربتي مشروعي الحي السكني برادس ومطار النفيضة اللذان انجزا في إطار الشراكة بين العام والخاص وتكبّدت فيهما المجموعة الوطنية خسائر كبيرة على حدّ قوله

أما الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس فقد عبّر عن رفضه التام لأي شراكة مع القطاع الخاصّ في هذا المشروع هذا الموقف عبّر عنه كاتب عام نقابة الشركة الجهوية للنقل بصفاقس زاكي العيادي الذي بيّن أن هذا المشروع سيتقاطع مع الشركة الجهوية للنقل من حيث المسارات ومواقيت السفرات وسيكون مكمّلا لها في إطار رؤية متكاملة للنقل العمومي في صفاقس مذكّرا في هذا الإطار بأن الشركة قد تبرّعت بقطعة أرض في طريق المطار لفائدة الدولة وليس للخواص على حدّ قوله

يشار إلى أن إحداث مشروع المترو الخفيف بصفاقس يندرج في إطار إنجاز مشروع شبكة خطوط النقل الجماعي في مسالك خاصة بمدينة صفاقس الكبرى ويعتبر من أبرز المشاريع الوطنيّة في مجال النقل العمومي لما يمثّله أهميّة في علاقة بكلفة المشروع وخصوصيّاته إلى جانب مردوديّته الاقتصادية والاجتماعية

                                                                                                                                                                                                                                                    هدى الورغمي