عرض الزيارة: وليمة موسيقية على ركح مهرجان صفاقس الدولي
والولائم والذبائح التي تصاحبها الأناشيد والأذكار الصوفية بطرقها المختلفة -المتجذرة عميقا في الذاكرة الشعبية، حيث يتحول مقام الولي أو الشيخ الى مقصد جماعي للمريدين والأتباع والسكان المحليين...، في مناسبة أسبوعية أو سنوية ...تقام فيها 'الزردة' وتنصب فيها موائد 'الوعدة' التي يتحلق حولها الجميع...
' قوموا عظموا الله والتوحيد لله ومن عليه ذنب يقول أستغفر الله-الذكر يا ذاكرين الله ...صلوا على النبي المختار ...ومن يتوكل على الله ليس يخيب-وينكم يا فقراء وينكم يا زيّار' ... بهذا الذكر افتتح عرض الزيارة على ركح مهرجان صفاقس الدولي ليلة أمس الاثنين أمام أكثر من 9 آلاف متفرّج غصت بهم المدارج وجميع زوايا المكان.
من الصفاء الى الهيستيرية العجائبية ...
هدوء عميق يخيّم على المسرح قطعه صوت الكمان الذي استهلّ العزف على ضرب أندلسي الطابع مصحوبا بتصفيق خفيف من أعضاء فرقة الزيارة، ' نا جيت زاير زاير ... للشيخ بابا مولى الأشاير ... نا جيت ناوي... القلب مهموم بالحب ثاوي ...زورة لسيدي تمحي المساوي و يعود قلبي بالفرح طاير ...' ، تتمايل الرؤوس في حركة بطيئة تحاكي الإيقاع و تنفذ الموسيقى من الأجساد لتحلق بأرواح الحاضرين بعيدا و تضعهم في طقس الزيارة المحكوم بنواميس فريدة تنقلهم من العالم المادي المرئي الى العالم الميتافيزيقي الماورائي.
في قمة لحظات الصفاء الروحي يشعل 'البندير' أجساد الجماهير ويمدهم بطاقة أسطورية للرقص بقوة خارقة دون هوادة ...يتساقط عرقهم غزيرا على الأرض وكأن أرواحهم تبغي التحرر من أبدانهم ...تتحول مدارج مهرجان صفاقس الدولي الى حلبة كبيرة لرقص هستيري عجائبي حيث ترى شعور النسوة المحلقة في الهواء والرؤوس جيئة وذهابا -يمنة ويسرة -الى أعلى وأسفل...ترافقها الزغاريد والهتافات...
'الزيارة ' : ابتعاد عن اللون الصوفي أم تجديد موسيقي ؟
ميزت اللوحات الكوريغرافية المتنوعة الناهلة من الفلكلور عرض الزيارة لتقدم فن حركة الجسد في مناسبة الزيارة على طابعه الأصلي بل ان الجمهور رسم هو الآخر لوحاته التلقائية التفاعلية أما من ناحية اللون الموسيقي فان المتابع يبقى مندهشا أحيانا ويتساءل هل نحن أمام لون صوفي صريح؟
مثلت المراوحة بين الكمنجة، البيانو و 'الباتري و القيتار ، الناي و 'الزكرة' و البندير و الطبل ، مزجا ناجحا بين الأنماط الأندلسية و الغربية و الشعبية المحلية ، وقد يعتبر بعض النقاد أن ادخال الآلات الغربية على اللون الصوفي يخرجه من كلاسيكيته و صراحته عدا عن اعتماد 'ريتم' ايقاعي سريع أحيانا ، ورغم ذلك فان الزيارة برهنت بقوة على أنها وليمة موسيقية بامتياز كسبت رهان الجماهيرية العريضة وهو ما يمكن أن يعتبره عدد آخر من النقاد ضربا من ضروب التجديد الموسيقي.
الزيارة قصة تسرد مسيرة بطل 'ميثيولوجي' دائما ما كان-الولي الصالح أو شيخ الطريقة، وليلة البارحة كان سيدي منصور الذي يبعد ضريحه بضعة كيلومترات عن المسرح هو البطل الذي زاره كل الأولياء الصالحين من سيدي عبد القادر الى السيدة المنوبية وسيدي محرز وأم الزين الجمالية ... جميعهم بطرقهم و مريديهم و أتباعهم... كانوا في حضرة وزيارة مقام سيدي منصور.