هل استقبل سعيّد المشيشي بطريقة مهينة ؟
اللقاء الجديد بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة بحضور وزيرة العدل بالنيابة و الذي يأتي بعد 16 يوما من آخر لقاء بين رأسي السلطة التنفيذية بحضور وزير الدفاع - دعا فيه سعيد المشيشي الى أن يكون في مستوى ما اتفق معه عليه مذكّرا ايّاه أنه ائتمنه على رئاسة الحكومة و اختاره لذلك.
ويثير استقبال سعيد للمشيشي في المكتب الصغير جملة من التساؤلات حول مضمون و رسائل ورمزية هذا المكتب خصوصا و أن مستوى تأزم العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية يتفاقم من يوم لآخر نظرا للاختلاف الكبير حول جملة من القضايا و المسائل آخرها كان اقالة رئيس الحكومة لرئيس هيئة مكافحة الفساد.
ويرى الصحفي إبراهيم الوسلاتي أن البروتوكول يقتضي أن يتمّ استقبال رئيس الحكومة من طرف رئيس الجمهورية في الصالون المخصّص لذلك لأنّ رئيس الحكومة يتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الدولة.
وأضاف الوسلاتي أن رئيس الجمهورية لا يستقبل في مكتبه من بين أعضاء الحكومة سوى وزيري الخارجية والدفاع لانهم يعودان اليه بالنظر... لافتا الى أنه لم يسبق للمرحوم الباجي قائد السبسي أن فعلها لا مع الحبيب الصيد ولا مع يوسف الشاهد...
واعتبر إبراهيم الوسلاتي أن طريقة الاستقبال كانت متعمدة بهدف التقليل من شأن رئيس الحكومة الذي كان مستشارا لدى قيس سعيد وسيبقى في نظره كذلك... لافتا الى أنه كان على رئيس الحكومة أن يرفض هذه الطريقة.
عودة الجفاء بين سعيّد و المشيشي
لم يدم 'الودّ' الأخير بين قيس سعيد و هشام المشيشي سوى أسبوعين عاد بعدهما الخلاف الى البروز للعلن بعد اقالة رئيس الحكومة لرئيس هيئة مكافحة الفساد و لكن رئيس الجمهورية عبر صراحة في لقاء اليوم عما يعتريه من غضب تجاه رئيس الحكومة و كشف الأسباب العميقة لهذا الخلاف حيث يعتبر أن المشيشي فرّط في السلطة التنفيذية لحزامه البرلماني و الأحزاب الداعمة له و أساسا حركة النهضة وذلك عن طريق خدمة أجندتها في الحكم.
وقال في هذا الاطار ان ' ان هناك تداخلا بين السلط و السلطة التنفيذية عند رئيس الدولة و رئيس الحكومة و ليست خارج قرطاج و لا القصبة و لا يمكن أن تتحول الى القصبة' .
ويرى رئيس الجمهورية في دفع حركة النهضة نحو مركزة السلطة التنفيذية في القصبة- محاولة لاقصائه من المشهد العام و عزله في القصر مقابل توفير ضمان للمشيشي و غطاء لبقائه على رأس الحكومة - مؤامرة ضده حيث اعتبر' أن كل ما يحصل مؤخرا مؤامرة قائلا من يعتقد أنه رئيس مؤسسة ورئيس للدولة فهو مخطئ في العنوان و التاريخ و لن أسكت عن تجاوزاته مهما كان الثمن ' وذلك في إشارة ضمنية لرئيس البرلمان و رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي .
رئيس جمهورية مع المعارضة اليسارية و أحزاب الطليعة البرلمانية تعارض الرئيس
ينبع غضب رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة من خلافه العميق مع الحزام البرلماني للمشيشي و الأحزاب الداعمة له خصوصا حركة النهضة و قلب تونس الذي يعتبر أنهما ينازعانه صلاحياته و يحاولان اقصائه من الحكم رغم المشروعية الكبيرة التي اكتسبها من عدد ناخبيه في الاستحقاق الرئاسي الأخير.
ييدو خلاف سعيّد مع المشيشي خلافا صغير جدا يخفي خلافا كبيرا ليس مع كل الأحزاب مثلما يذهب الى ذلك الكثير بل مع حزبي النهضة و قلب تونس و حاملي أفكار المنظومة القديمة حيث يميل الرئيس نحو الأحزاب اليسارية و يتفق معها في كثير من الرؤى حول عديد المسائل.
لا شك أن المشهد السياسي في تونس يعيش أزمة جد كبرى حيث يتفق صاحب المشروعية الانتخابية الأكبر مع أحزاب المعارضة اليسارية الممثلة في البرلمان بينما لا يتفق الحزب الحائز على أكبر عدد مقاعد البرلمان مع رئيس الجمهورية و ينبري قياديوه في معارضة الرئيس علانية و هنا تعيش السلطة برؤوسها و مؤسساتها الكبرى صراعا علنيا مفتوحا لم تضع له أي مبادرة نهاية الى حد الآن.