أزمة المحكمة الدستورية : مجلس نواب الشعب ينظر مجددا في مصير القانون
فصل جديد من فصول مسلسل المحكمة الدستورية، التي طال مسار تركيزها لأكثر من ست سنوات بعد انقضاء الآجال المحددة، لتشكل محور معركة جديدة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ممثلة في رئيس الجمهورية، الذي رفض ختم تنقيح القانون ونشره في الرائد الرسمي، لاعتبارات أهمها، انقضاء الآجال الدستورية.
وللتذكير، فإن الدستور ينص على تركيز محكمة دستورية في أجل لا يتجاوز سنة واحدة من الانتخابات التشريعية التي انتظمت سنة 2014، إلا أن البرلمان فشل في 8 مناسبات في انتخاب الأعضاء الأربعة الموكول له اختيارهم من بين 12 عضوا، بسبب التجاذبات السياسية.
وخلال الفترة الماضية، تعالت الأصوات المنادية بتركيز المحكمة الدستورية، وخاصة من طرف حركة النهضة وأنصارها وحلفائها في الحكم، للفصل في النزاعات بين السلط، وهي دعوة اعتبرها رئيس الجمهورية والأحزاب المناصرة له خطوة نحو عزل الرئيس من منصبه، ما جعل خصومه يعتبرون أن رئيس الدولة "يستعمل كل الأسلحة الدستورية لتعطيل إرساء المحكمة"، على حد تقديرهم.
وقد مر مسار تركيز المحكمة الدستورية المعطل بالعديد من المراحل، إذ اضطر مجلس النواب إلى إدخال تعديلات على القانون الأساسي المحدث لها لتسهيل عملية الانتخاب، من خلال التخفيض في الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء المحكمة من 145 صوتا إلى 131 صوتا ،وفسح المجال أمام المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية لانتخاب بقية الأعضاء الاثنتي عشر دون تعطيل، في انتظار استكمال البرلمان انتخاب نصيبه من التركيبة.
وفي 4 أفريل الماضي، رفض رئيس الجمهورية ختم القانون المعدل، وقرر رده للبرلمان لقراءة ثانية، ليصادق مجلس النواب على النص ذاته يوم 4 ماي بأغلبية معززة .
وطعنت الكتلة الديمقراطية في دستورية مشروع القانون في 8 ماي، بالنظر "لما شابه من إخلالات شكلية وإجرائية جوهرية"، إلا أن الهيئة الوقيتة لمراقبة دستورية القوانين لم تصدر قرارا في هذا الشأن لعدم توفر الأغلبية المطلوبة لاتخاذ قرار، وقررت في 2 جوان رد القانون إلى رئيس الجمهورية، وفق القانون المنظم للهيئة، وقد انتهت في 9 جوان الجاري الآجال الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية لختم مشروع القانون والإذن بنشره في الرائد الرسمي.
وإلى حد اللحظة، لم يصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد أي قرار يتعلق بمصير القانون.
وتعددت الآراء الدستورية حول مآل مشروع القانون المنقح والمتمم للقانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية بين من يعتبر أن الرئيس أصبح بموجب هذا القرار "الحكم والفيصل"، وبيده خيار ختم المشروع أو رفضه، وبين من يعتبر أن اختصاص رئيس الجمهورية في هذا الموضوع مقيد، ويتوجب عليه الختم والنشر، وإلا فإنه سيرتكب "خطأ جسيما".
وفي هذا السياق، أوضحت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، في تصريح سابق، أن "جميع آليات وسبل معارضة المشروع قد استنفدت، وأن رئيس الجمهورية مطالب بممارسة اختصاصه في ختم المشروع والأمر بنشره".
في المقابل، اعتبر الباحث في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن "الرئيس غير مجبر على ختم المشروع" وأنه "قد استند في ممارسته لحق الرد على الفصل 72 من الدستور".
وفي ظل تعدد القراءات يبقى مصير التنقيحات المدخلة على قانون المحكمة الدستورية غير واضح، وبالتالي فإن تركيز المحكمة في وقت قريب أيضا لم يعد مضمونا، لأن القانون عدد 50لسنة 2015 لم يسمح بانتخاب أعضاء المحكمة، والقانون المنقح لم يفلح في الحصول على التأشيرة الرسمية للنشر والدخول حيز النفاذ، ليبقى مصير المحكمة ، الهيئة الفاصلة في أغلب الأزمات الدستورية والسياسية المتتالية في البلاد، رهين خلافات ومعارك لم تنته بين مكونات الطبقة الحاكمة.
جدير بالإشارة أن المحكمة الدستورية، هي هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم "المجلس الأعلى للقضاء" و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.
وتراقب المحكمة، مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.
(وات)