احتكام الأحزاب للشارع: بحث عن حلّ للأزمة السياسية أم استعراض للقوّة؟
وكان أوّل تحرّك احتجاجي نظّمه الحزب الدستوري الحرّ، يوم الاحد 21 فيفري 2021 بساحة سيدي يحي بسوسة تحت شعار "ثورة التنوير"، بحضور ألاف المواطنين المناصرين للحزب، الذين رفعوا شعارات متعددة من بينها "لا خوف الرعب الدستوري ملك الشعب"، وكذلك شعارات مناهضة لحركة النهضة.
عبير موسي : ''لن نرضى بالاستعمار ولن ننحني"
وأكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، في كلمتها التي ألقتها خلال التجمّع الشعبي، "أن الحزب سيجوب شوارع البلاد من بنزرت إلى تطاوين وسيقود المسيرات، وسيرفع الشعارات وسيطالب بحقوق الشعب التونسي"، قائلة في هذا الصدد ''لن نرضى بالاستعمار ولن ننحني ولن نركع ولن نضع أيادينا في أياديكم القذرة الملطخة بالدماء''، في إشارة منها إلى حركة النهضة.
بدورها قررت النهضة النزول للشارع، حيث نظمت اليوم السبت 27 فيفري مسيرة حاشدة، تحت شعار "مسيرة الثبات والدفاع عن المؤسسات"، والتي انطلقت من شارع محمد الخامس بالعاصمة في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة، وقد شارك فيها العديد من شباب الحركة وأيضا من أنصارها، من "أجل حماية الديمقراطية ودستور البلاد، وللتعجيل في الإصلاحات التنموية والاجتماعية لصالح شباب تونس وشعبها الكريم".
وقال رئيس كتلة الحركة بالبرلمان عماد الخميري، إن المسيرة تعبّر عن حجم حركة النهضة وعمقها الجماهيري، مضيفا أن هذا الشارع يدعو إلى الحوار والوحدة الوطنية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للبلاد على حدّ تعبيره.
مسيرة حركة النهضة، تزامنت مع مسيرة حزب العمال التي انطلقت من ساحة باب الخضراء يتقدمها أمين عام الحزب حمّة الهمامي، والتي تأتي تنديدا بما وصفه الحزب بـ"عبث منظومة الحكم بمصالح تونس وشعبها".
حمة الهمامي : "الحل السياسي اليوم هو إسقاط المنظومة القائمة"
واعتبر أمين عام الحزب حمة الهمامي في تصريح إعلامي، عقب انطلاق المسيرة أن الحل السياسي اليوم، هو إسقاط المنظومة القائمة، وتشكيل حكومة جديدة وصفها "بالثورية".
قرار نزول الأحزاب للشارع، وان كان في ظاهره يعبر عن حرية الرأي والتعبير وحرية التظاهر، فإنه لا يَخفى على أحد بأنه ترجمة لتأزّم الوضع السياسي في البلاد وتفكّكه، سواء بين السلطتين التنفيذيتين، وهما رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية من خلال معظلة اليمين الدستورية التي لازالت تلقي بضلالها على توتر العلاقة بين قيس سعيد وهشام المشيشي وتمسكّ كلّ منهما بموقفه، أو في السلطة التشريعية من خلال توتر الأوضاع بالبرلمان، وصلت إلى حدّ تبادل العنف المادي واللفظي بين النواب، مقابل عجز رئاسة المجلس المتمثلة في شخص راشد الغنوشي، عن حسن إدارة الجلسات، وهو ما نتج عنه اللجوء لسحب الثقة منه والسعي لازاحته من المشهد البرلماني.
تتالي الأزمات بين السلط الثلاث وانسداد أفق انفراجها، مقابل نزول الأحزاب إلى الشارع، يدعو بالضرورة إلى التساؤل هل أصبح الشارع هو آداة لحلّ الأزمة أم لتعميقها؟
"حزب حاكم يحتج !"
اللافت للانتباه أو للاستغراب في احتجاجات الأحزاب، هو نزول حزب حاكم والمتمثل في حركة النهضة للشارع، فلسان المحلل يقول، على ماذا سيحتجّ وهو الذي يحكم؟، وفي هذا السياق، قالت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي في تصريح للديوان اف ام، "إن هذا الأمر أغرب ما يكون لأن الحزب هو من يملك الآليات التي تجعله يؤثّر، ويأخذ القرارات ويغير المشهد، في حين أن خروجه للشارع هو اعتراف بأنه عجز عن القيام بوظيفته بالآليات المعهودة وأن الشارع هو "آداة الضعيف" وفق توصيفها.
وأشارت إلى أن حقّ التظاهر السلمي مكفول بالدستور وأنّ القانون لا يمنع ذلك، مستدركة بالقول " لكن من المفروض أن للأحزاب آليات سياسية للفعل السياسي، ويكون الشارع للمجتمع المدني وللافراد الذين يخاطبون السلطة عبر التظاهر بطريقة سلمية".
فرغم أن التظاهر أو الاحتجاج، هو حق مكفول بالدستور، فإن ذلك قد يتسبب في انفلاتات لا يحمد عقباها، وهو ما أكّده المحلّل السياسي، عبد اللطيف الحناشي قائلا "إننا اليوم بحاجة إلى حوار هادئ بين الأطراف السياسية فيما بينها، وأيضا بين الأطراف السياسية والاجتماعية"، موضّحا أن اعلان حزب ما التظاهر سيدفع بالاحزاب الأخرى للتظاهر أيضا، وتبدأ عملية استعراض للقوة، وهذا لا يمكن أن يحلّ مشاكل البلاد، وإنما قادر على أن يدفع نحو انفلاتات متعدّدة الأوجه والاشكال".
هل ستتحوّل الأزمة إلى قاعدة؟
ويرى الحناشي أن الحلّ يجب أن يكون عبر مؤسّسات الدولة وليس من خلال الشارع، داعيا النخب السياسية إلى مراعاة ظروف البلاد على جميع المستويات لجتنب انفلاتات تكون نتائجها غير محمودة، حسب قوله.
الأزمة السياسية التي تشهدها تونس منذ مدّة، والتي إلى حدّ اليوم لم يتم التمكّن من تجاوزها حتى تسمرّ دواليب الدولة بنسق عادي وتتكامل الأدوار بين السلط الثلاث لخدمة صالح الشعب، يثير مخاوفا من إمكانية أن تصبح الأزمة قاعدة، ذلك أن استمرار الأزمة يصبح أمرا معتادا وهو ما حذر منه الباحث في العلوم السياسية، الصحبي الخلفاوي ، حيث ذكّر بالتجربة اللبنانية، والمتمثلة في بقاء البلاد دون رئيس جمهورية طيلة سنتين، ما لم ينجرّ عنه قلق في صفوف المواطنين نظرا لتعوّدهم على الأزمة.