النقابي أحمد الكحلاوي : الذاكرة النقابية في تونس لم تُكتب كما ينبغي
وأوضح الكحلاوي أن بدايات نشاطه كانت داخل هياكل التعليم في القيروان ثم في العاصمة، في سياق سياسي متوتر، مؤكداً أن العمل النقابي آنذاك لم يكن خياراً سهلاً. ويستحضر تلك المرحلة قائلاً: "النقابة ما كانتش وظيفة، كانت حرب.. باش تكون عضو نقابة في الوقت هذاكا، معناها اخترت طريق فيه صدام وتضييق وثمن شخصي كبير."
وأضاف أن النقابيين واجهوا منذ السبعينيات ملاحقات وضغوطاً متواصلة، مشيراً إلى أن عدداً من الناشطين تعرضوا لمحاكمات وسجن بسبب مواقفهم، وأن قطاع التعليم التقني تحديداً كان من بين أكثر القطاعات التي شهدت صدامات تنظيمية مباشرة مع السلطة.
القضايا الوطنية والسجن
وفي حديثه عن نشاطه المرتبط بالقضية الفلسطينية، شدد أحمد الكحلاوي على أن الانخراط في هذه القضية لم يكن شعاراً سياسياً عابراً، بل ممارسة نضالية فعلية داخل الهياكل النقابية.
ويقول في هذا السياق: "القضية الفلسطينية كانت تهمة، وبعد ولات قضية يتبناها الاتحاد."
وأوضح أنه شارك في مظاهرات ومسيرات داعمة لفلسطين، وهو ما أدى إلى إيقافه ومحاكمته، مؤكداً أن السجن لم يكن حادثاً معزولاً، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من المواجهة مع السلطة، مضيفاً أن تلك المرحلة شكلت منعطفاً حاسماً في حياته السياسية والنقابية.
كما أشار إلى أن خروجه من السجن لم ينهِ التزامه بالقضايا العربية، معتبراً أن التضامن مع فلسطين وغيرها من القضايا الإقليمية كان جزءاً لا يتجزأ من هوية جيل كامل من المناضلين.
الصراع داخل الاتحاد
وفي معرض حديثه عن علاقته بالحبيب عاشور والصراعات داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، أوضح الكحلاوي أن الخلافات لم تكن شخصية، بل تعكس اختلافاً عميقاً في الرؤية لدور النقابة.
وقال: "كنا في صراع مع حبيب عاشور، ورغم الخلاف يبقى رجلا مناضلا وصادقا."
وبيّن أن الجيل الجديد من النقابيين كان يحمل تصورات تتجاوز المطالب القطاعية، نحو ربط العمل النقابي بالصراع الاجتماعي والسياسي الأشمل، وهو ما خلق توترات حادة داخل الهياكل النقابية، خاصة في فترات الإضرابات الكبرى.
غياب الاعتراف بالماضي النضالي
وفي جانب آخر من الحوار، تطرّق الكحلاوي إلى مسألة توثيق التجارب النضالية، مؤكداً أن الذاكرة النقابية في تونس لم تُكتب كما ينبغي، وأن العديد من المناضلين غاب ذكرهم رغم أدوارهم المحورية في الدفاع عن الحقوق والحريات داخل المؤسسات التعليمية والنقابية.
وأشار إلى أن هذا الغياب ساهم في تقديم رواية منقوصة للتاريخ، وحرم الأجيال الجديدة من فهم السياقات الحقيقية التي تشكّلت فيها الحركة النقابية والسياسية.
جيل جديد ومسؤولية الذاكرة
وفي ختام الحوار، اعتبر أحمد الكحلاوي أن المرحلة التي تلت الثورة لم تُرافقها جهود جدية لحماية ومنهجة الذاكرة الوطنية والنقابية، مشدداً على أن نقل هذه التجارب مسؤولية جماعية.
وخلص إلى أن توثيق المسار النضالي ليس تمجيداً للأفراد، بل شرطاً أساسياً لفهم التحولات التي عرفتها البلاد، موجهاً رسالة إلى الجيل الجديد مفادها أن معرفة تاريخ النضال هي المدخل الحقيقي لفهم الحاضر واستشراف المستقبل.
