مختصون: يجب إرساء مدرسة دامجة للحد من العنف المدرسي والتنمر بين التلاميذ
وفي تفسيره لتفشي هذه الظاهرة، أوضح المختص في علم النفس السريري والمرضي طارق السعيدي، أن التلميذ يمارس العنف ضد الفئات التي تشكو هشاشة نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جسدية أو ذهنية، إما تقليدا لما رآه من عنف من حوله أو محاكاة للعنف الذي يتعرض له أو رغبة في الانتماء إلى مجموعة تمارس العنف، الأمر الذي يمكنه في ذات الوقت من حماية نفسه من تعنيفهم، وهو بذلك شكل من أشكال إظهار قوة شخص ما عبر إلحاق ضرر معنوي بالمستضعفين.
وحذّر السعيدي، من تأثير العنف وخاصة منه العنف المعنوي بما في ذلك التنمر على نفسية الطفل حيث أنه يخلف في العديد من الحالات اضطرابات في النوم وقلة أو فرط في شهية الأكل والقلق والاكتئاب وصعوبات التعلم والرسوب والتسرب المدرسي.
ولفت إلى أن العديد من الأطفال يُخيرون عدم البوح لأبائهم بالعنف الذي يتعرضون إليه إلا أنه يمكن التفطن الى ذلك من خلال ملاحظة حصول تغير في مزاجهم أو سلوكهم، حيث يمكن أن تظهر على الطفل ضحية العنف بعض العلامات الدالة ومنها المعاناة من الكوابيس أثناء النوم، خاصة التي تظهر فيها الثعابين والكلاب أو الوقوع في الحفر العميقة، والعصبية غير المبررة وممارسة العنف ضد المحيطين به واللعب بطريقة عنيفة، والشعور بأوجاع في البطن أو في الرأس والتقيؤ ورفض الذهاب الى المدرسة.
وتمرّ مساعدة الأبناء على تجاوز التأثيرات السلبية للعنف بجميع أشكاله وخاصة منها التنمر، حسب السعيدي، عبر اكتشاف نقاط ضعف الطفل المكشوفة للعيان والتي جعلت منه ضحية والعمل على تجاوزها إن أمكن، واعتماد التواصل الفعال والإيجابي داخل العائلة الأمر الذي يجعل الطفل قادرا على تطوير قدرات نفسية تتميز بالمرونة التي تخوّل له تقبّل وتجاوز صعوبات الحياة بما ذلك التعرض الى حوادث التنمر والعنف.
كما يمكن أن يسهم تشجيع الطفل ضحية العنف على الانخراط والمشاركة في الأنشطة الخارجية وممارسة الرياضة والمسرح، في تعزيز ثقته بنفسه ومساعدته مع الوقت على التخلص من نقاط ضعفه التي كانت سببا في تعرضه للعنف.
وفي سياق الحلول الممكنة، شدّدت المختصة في علم الاجتماع التربوي ايمان بن دعدوش، اليوم السبت، على أن إرساء مدرسة تونسية دامجة تغرس القيم الإنسانية الكونية عن طريق الممارسة، كفيل بالحد من تفشي العنف بجميع أشكاله داخلها.
وبينت المختصّة، أن المدرسة التونسية اليوم تعتمد على بعض الدروس النظرية في مادة التربية المدنية أو غيرها من أجل تلقين التلاميذ مبادئ القيم الإنسانية الكونية لتتحول بعد مدة زمنية الى مجرد معلومات منسية ليس لها أثر فعلي على تعديل سلوكيات التلاميذ نحو الأفضل.
وتكمن أهمية المدرسة الدامجة، حسب رأيها، في أنها تقوم أولا، على مبدأ إدماج جميع فئات الأطفال على اختلاف قدراتهم العقلية والجسدية وطبقاتهم الاجتماعية بطريقة تخول للجميع دون اقصاء تحصيل المعارف، وتركز ثانيا، على مبدأ التعلم بالممارسة وبطريقة مبتكرة وجاذبة بعيدا عن الطرق التقليدية المملة في التدريس.
كما تحرص المدرسة الدامجة على تربية الناشئة على مبادئ التسامح واحترام الآخر وقبول الاختلاف والعيش المشترك ضمن نواد مختصة وأعمال مسرحية وأنشطة تطوعية وجمعياتية الأمر الذي يجعلهم ينبذون العنف وخطاب الكراهية، وفق تقديرها.
وستكون المدرسة الدامجة بذلك قادرة على الحد بشكل ملحوظ من تفشي ظاهرتي العنف والتنمر في الوسط المدرسي ولكن ليس القضاء عليهما بصفة كلية حيث تتداخل، حسب بن دعدوش، عديد الأوساط الأخرى المحيطة بالتلميذ والتي تشكو بدورها تناميا لهذه الظواهر ومن أبرزها العائلة والشارع وشبكات التواصل الاجتماعي حيث يقوم الطفل بإعادة انتاج العنف الذي يستقيه أو يتعرض له داخل هذه الأوساط.
وأشارت إلى أن الوسط المدرسي يعد من بين أكثر الأوساط الملائمة لممارسة العنف لأنه يضم جماهير تتكون من فئات اجتماعية وعمرية مختلفة تحمل طرق تفكير ومبادئ وميولات متنوعة، حيث يؤسس هذا الاختلاف والتباين الى التضاد والتنازع والصّدام إلى ممارسة العنف.
وات