فرحات حشاد: من العباسية بقرقنة الى منصة الأمم المتحدة...تاريخ نضالي حافل
يحيى التّونسيون اليوم السبت 5 ديسمبر 2020 الذكرى 68 لاغتيال ايقونة النضال الوطني و النقابي الزعيم فرحات حشّاد، الذي اغتيل يوم 5 ديسمبر 1952 ولم يتجاوز عمره 38 عاما
ولد فرحات حشاد يوم 2 فيفري 1914 بجزيرة قرقنة بمنزل متواضع و في عائلة بسيطة من وسط فقير تمتهن الصيد البحري، وعرف منذ نعومة اظافره بروح الزعامة فقد كان قائدا بالفطرة يكتسب من الكريزما و قوة الحضور و التاثير ما ينبئ بانه سيكون قائدا فذا ، و هو ما يفسر بالفعل انه كان واحدا من اهم قيادات الحركة الوطنية في تاريخ تونس و زعيما نقابيا سطع نجمه في العالم
تحصل حشاد على الشهادة الابتدائية العامة في جزيرة قرقنة سنة 1929 ، و لكن بوفاة والده لم يتمكن من مواصلة تعليمه فانتقل الى ولاية سوسة، حيث التحق بسوق الشغل ناقلا للبضائع في إحدى شركات النقل البحري، و هو ما نمّى فيه وعيا شديدا بمشاكل و معاناة الطبقة الكادحة كما تمكن من صقل شخصيته وتنمية معارفه النقابية والثقافية والسياسية عن طريق المطالعة والمتابعة والنشاط المدني
من قرقنة الى الأمم المتحدة
سنة 1936 التحق حشاد بالعمل النقابي في الكنفدرالية العامة للشغل آنذاك cgt و هي احدى النقابات الفرنسية ذات الميولات الاشتراكية، حيث كان متأثرا بالفكر النقابي الاشتراكي المدافع عن حقوق الطبقة العاملة الكادحة ضد نفوذ الطبقة الرأسمالية، و هو ما دفعه الى التفكير مع جملة من القيادات الوطنية الى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 20 جانفي 1946، و لتكون بذلك المنظمة الشغيلة أول منظمة نقابية عربيا وأفريقيا
صنع عصامي التكوين نفسه بنفسه، ليصعد من بيته المتواضع في العباسية بجزيرة قرقنة الى منصة الامم المتحدة في نيويورك و الى مجتمع المنظمة العالمية للنقابات الحرة في بروكسول و ليصبح احد ابرز الزعماء النقابيين في العالم
شخصية 'حشاد' و شعبيته مع يقينه الراسخ بانه 'لايمكن تحرير العمال في وطن مستعبد'، الى جانب القاء القبض على قيادات الحركة الوطنية سنتي 1951 و1952 ...كلها عوامل حولته الى القائد الفعلي للحركة الوطنية، حيث تبنّى سياسة الكفاح المسلح لتحرير تونس
احدث حشاد، حسب كل من يعرفه، زلزالا سياسيا زمن الاستعمار، حيث تمكن بقدرته على التاثير و التنظيم و التعبئة.. من الحاق فئة واسعة من الطبقة الكادحة بالحركة الوطنية و الكفاح ضد المستعمر بكل اشكاله، و صار رمزا للارتباط بين العمل النقابي و العمل الوطني، و هو ما دفع الاستعمار الى التفكير في التخلص منه
يد الغدر
التاثير الكبير لحشاد داخليا و دوليا جعله هدفا للمستعمر و كان اسمه على راس قائمة الزعماء المهددين بالاغتيال...و هو ما تم بالفعل بتاريخ 5 ديسمبر 1952 حيث اغتيل من طرف المنظمة الفرنسية السرية 'اليد الحمراء' التي كانت احدى ايادي المخابرات الفرنسية
و عثر على جثة حشاد في طريق بمنطقة نعسان في ضواحي العاصمة، وعليها آثار طلقة نارية في الرأس ووابل من الرصاص في الجسم، و قد اعترف أنطوان ميلير عضو المنظمة الفرنسية السرية "اليد الحمراء" في كتاب أصدره عام 1997 بعنوان "اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية" بوقوف فرنسا وراء اغتيال حشاد
وباعلان نبأ اغتيال حشاد اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وامتدت أيضا إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم و تم نقل جثمان فرحات حشاد إلى جزيرة قرقنة مسقط رأسه حيث قامت أسرته بدفنه هناك، قبل ان يتم نقله الى مدفن رسمي في العاصمة سنة 1955
وتبقى زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى تونس في 5 جويلية 2013، محطة مهمة في الكشف على الجناة الذين اغتالوا زعيم الوطن صاحب مقولة 'احبك يا شعب'، اذ قام هولاند بتسليم وثائق أرشيفية من وزارة الخارجية والدفاع الفرنسيتين، يتبين منها أن عملية الاغتيال تمت بواسطة مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس التابعة للاستخبارات الفرنسية، وأن هناك فريق عمليات أرسل من باريس لمراقبة تحركات فرحات حشاد، وأن عملية الاغتيال قد تقررت قبل سبعة أشهر
فؤاد مبارك
كاتب المقال La rédaction