ماذا يمكن أن يقدّم رؤساء الحكومات السابقون للبلاد؟
وتأتي هذه الدعوة للاجتماع في ظل التطورات المتسارعة للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد وبعد أشهر من تصدّع العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية بينما تعيش تونس احتقانا اجتماعيا بسبب أحداث سيدي حسين الأخيرة.
فأي دور لرؤساء الحكومات السابقين؟ وهل يمثلون قوة سياسية وسلطة رمزية؟ ولماذا يلجأ إليهم قيس سعيد؟ وماذا يمكن أن يقدموا اليوم للبلاد؟
يعود آخر اجتماع لرؤساء حكومات سابقين الى شهر أوت 2020 حيث التقى كل من الحبيب الصيد و علي لعريض و يوسف الشاهد وحمادي الجبالي مع رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي بعيد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد بتشكيل الحكومة.
واطلع المشيشي آنذاك على وجهات نظر عدد من رؤساء الحكومات السابقين وتقييمهم للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالبلاد وكذلك رؤيتهم للمرحلة .
ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن توسيع رئيس الجمهورية دائرة الاستشارة وأخذها من شخصيات كانت في موقع السلطة ربما تكون مفيدة مشددا على أن رؤساء الحكومات السابقين لا يمثلون أي سلطة رمزية أو مادية.
بداية تغيّر أسلوب تعامل سعيّد مع الشأن السياسي
يدلّ هذا الاجتماع وفق الجورشي على بداية تغير أسلوب تعامل رئيس الجمهورية مع الشأن السياسي ومع الأوضاع الصعبة التي تمر بها تونس حيث أصبح مشغولا بشكل متواصل بالأزمة السياسية ويبحث لها عن حلّ مشيرا الى أن مشاركة المشيشي في الاجتماع يحيل الى بداية تجاوز سعيّد قصّة تنازع الصلاحيات.
وأكد أن المهم الآن هو أننا لانزال ننتظر عملية إطلاق الحوار الوطني الذي يعد الأساس قائلا ما يجري حاليا لا يمكن أن يعوض أهمية وضرورة الحوار الوطني.
وأضاف الجورشي أنه لا يمكن أن نتحدث عن حوار الا إذا تم تشريك الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وإذا تم ذلك يمكن القول اننا بدأنا في حوار وطني.
من جهته شدد المحلل السياسي و المؤرخ عبد اللطيف الحناشي على أن رئيس الجمهورية يمكن أن يستفيد من آراء وخبرات رؤساء الحكومات السابقين وذلك ربما مرتبط بمسألة الحوار الوطني الذي يبدو أن سعيد قبله.
بحث عن بدائل للتعامل مع الأزمة
ويرى الحناشي أن اللقاء يندرج في إطار البحث عن بدائل و صيغ جديدة للتعامل مع الوضع خاصة اقتصاديا و سياسيا باعتبار أن العديد من رؤساء الحكومات السابقين واجه جزءا من هذه المشاكل إضافة الى كونه محاولة لإيجاد رئيس الجمهورية دعما من قبل رؤساء الحكومات السابقين نظرا لكونهم شخصيات اعتبارية سياسية ينتمي أغلبها الى أحزاب سياسية.
ولفت الحناشي الى أن اللقاء قد يقرب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الحالي مضيفا أن سعيّد أراد أن يسمع المشيشي رأي سابقيه حول الوضع في البلاد مشيرا الى أن دعوة المشيشي تعد بادرة إيجابية ومحاولة من سعيد لتحجيم الخلاف معه.
وأكد أن الأزمة التي تمر بها البلاد أضحت مركبة اقتصاديا واجتماعيا و سياسيا و صحيا و اتجهت نحو مأزق حاد جدا و أزمة ثقة بين الفاعلين السياسيين حكما و معارضة و طالت مؤخرا حتى السلطة القضائية عبر التشكيك فيها مشيرا الى أن الخروج منها يبدو صعبا لأن هناك أطرافا غير راضية عن الحوار الوطني أو تريد دخوله بشروط مسبقة.
تحضير للحوار الوطني أم لقاء عابر؟
تعيش السلطة التنفيذية في تونس تصدّعا كبيرا للعلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وربما تأتي دعوة رؤساء الحكومات السابقين-للاجتماع مع الرئيس بقصر قرطاج بحضور رئيس الحكومة الحالي-كمحاولة لرأب الصدع والشقوق صلب هذه السلطة و أخذ رأي رؤساء الحكومات السابقين لترميم بنيان و جدران السلطة التنفيذية الذي يكاد يتهاوى من فرط التجاذب.
لاءات الرئيس الكثيرة والانتقادات العديدة لعمله من قبل الأحزاب الداعمة للحكومة تحتم عليه البحث عن حد أدنى من التوافق والانسجام مع الحكومة أمام ضجر التونسيين من هذا الصراع وانتظارهم التفات السلطات الى مطالبهم التنموية والاجتماعية والاقتصادية.
وقد أضحى الحوار الوطني ضرورة ملحة أمام وضعية الشلل التي أصبحت عليها الحكومة بسبب عمل أغلب وزرائها بالنيابة وهو ما أضعف حقا مواجهتها للأزمة الاقتصادية والصحية واشرافها على إدارة الشأن العام.
خلال آخر لقاء له مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي يوم 11 جوان الجاري عبر رئيس الجمهورية عن استعداده للحوار 'ولكن بشكل سيأتي في الأيام القادمة ' على حد تعبيره.
منذ أشهر ما انفك رئيس الجمهورية يؤكد قبوله بمبدأ الحوار ولكن لم يعلن البتة عن الشكل الذي يرتضيه لتجسيم هاته المبادرة التي تقدم بها اليه اتحاد الشغل ، فهل يكون الاجتماع مع رؤساء الحكومات السابقين تحضيرا لإطلاق عملية الحوار الوطني التي طال انتظارها أم مجرد لقاء عابر في خضم أزمة عسيرة تهدد بقوة دواليب الدولة ؟