النفايات الإيطالية هل ترتقي الرسائل الى الأفعال
هذا ما ينطبق على النفايات المنزلية التي وقع توريدها من إيطاليا في تجاوز صارخ للقوانين والاجرءات المعتمدة في بلادنا فعلاوة على الافرازات التي ذكرناها هناك افرازات أخرى اكثر خطورة لهذا الملف وهي التداعيات السياسية والديبلوماسية
إضافة الى الكورونا وتقرير محكمة المحاسبات يتابع الراي العام قضية النفايات المنزلية الموردة من إيطاليا التي تعد جريمة بيئية بامتياز فيما وصفها بعض النشطاء في المجتمع المدني بالجريمة الإرهابية .فهل ترتقي إجراءات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الى مستوى خطورة القضية
الدبلوماسية والبيئة
رغم ان ملف البيئة ليس من مشمولات رئيس الجمهورية الا ان ابعاده وخطورته دفعت بالرئيس قيس سعيد الى توجيه اهتمامه للملف من خلال تلقيه من وزير البيئة والتنمية الشؤون المحلية تقرير قضية توريد النفايات المنزلية من إيطاليا هذا التقرير الذي إحالته الوزارة على القضاء كما اطلع رئيس الجمهورية على نتائج التحقيق الإداري للوزارة.
ومن خلال هذا اللقاء أرادت رئاسة الجمهورية ان توجه رسالة مفادها إنها تتابع قضية أثارت الرأي العام ولها عدة تداعيات مختلفة . فالاشارة الى امكانية اعادة تصدير النفايات الى بلده الأصلي يؤكد ان عملية الترحيل يبقى مطلبا مهما ولكنه غير جدي ما لم تصاحبه جهود دبلوماسية . فقد كان من الأجدر ان يصاحب وزير الخارجية وزير البيئة في لقائه رئيس الجمهورية حتى تكون الرسالة قوية الى كل الأطراف بان تونس ستدافع على حقها دوليا وإقليميا . فالاقتصار كما جاء في البلاغ التطرق الى مجهودات الوزارة لاعادة ترحيل هذه النفايات هو للاستهلاك الداخلي لا غير.
فقضية النفايات الموردة من ايطاليا قد ترتقي الى نفس أهمية وخطورة قضية الهجرة غير النظامية ولا بد من ان تفرد لها مكانة بارزة في ملف العلاقات التونسية الإيطالية فالمطلوب هو ادراج هذه القضية ضمن الملفات المطروحة للتفاوض بين الطرفين
رسائل
لقاء وزير البيئة مع رئيس الجمهورية يأتي بعد أيام فقط من إقالة رئيس الحكومة للمدير العام لوكالة الوطنية للتصرف في النفايات في إشارة واضحة بان هذه القضية من الخطورة بمكان مما يستوجب إقالة المشرف الأول على الوكالة المسؤولة على التصرف في النفايات .
و لئن أرادت رئاسة الحكومة أن توجه من خلال رسالة إلى الرأي العام بان المحاسبة تبقى قائمة لكل الذين قاموا بتجاوزات الا ان القرار قد يكون ذر الرماد على العيون لعدة أسباب أولها ان المدير العام الحالي للوكالة ليس هو المسؤول المباشر عن الملف فلم يقع تعيينه في المنصب الا في شهر جويلية الماضي بينما تعود اطوار القضية الى شهر فيفري الماضي
كما ان المدير العام للوكالة ليس هو وحده المسؤول على الملف فهناك أطراف أخرى اولها وزير البيئة في تلك الفترة والمدير العام للوكالة آنذاك وعدد من المسئولين في الوزارة . صحيح ان المدير العام المقال كان وقتها مسؤولا عن الاستغلال والاكيد ان الملف مر بين يديه . لكن هل كانت له الصلاحية والجرأة والقوة لمعارضة وزير او مدير عام بالوزارة او مدير العام الوكالة
كرة الثلج
رغم ما صرح به النائب نعمان العش في جلسة استماع في مجلس النواب وما قدمه من أسماء ضالعة في الملف فقد اقتصر موقف رئيس الحكومة على إقالة المدير العام للوكالة في بلاغ لم يقدم أي توضيحات حول سبب الإقالة او الإجراءات التي سيقع اتخاذها. ولئن وقع فتح بحث تحقيق عدلي الا ما اتخذه رئيس الحكومة يبقى غير كاف ولا يتماشى وبشاعة الجريمة .فمسار العدالة قد يتطلب سنوات قبل البت النهائي لما يقتضيه من إجراءات واختبارات طويلة ومعقدة واحسن مثال على ذلك ملف مصب جرادو للنفايات الخطرة أحسن مثال على ذلك فهذا الملف لم يحسم منذ 10 سنوات وهكذا سيفلت السياسيون الذي وفروا الغطاء لمثل هذه العملية من المسائلة والمتابعة . فنحن نعلم ان النفايات كانت لها ولا تزال تأثيرات سياسية كبيرة وهي تستعمل في العديد من المرات ضد الخصوم أخرها للإطاحة بحكومة الفخفاخ حيث خرج علينا النائب ياسين العياري بملف قال عنه انه يدين رئيس الحكومة السابقة بتهمة تضارب المصالح وهو ما تلقفته الأطراف السياسية المناوئة للفخفاخ ولرئيس الجمهورية للإطاحة بالحكومة .فلماذا لم يتفطن العياري ولا هيئة مكافحة الفساد لملف النفايات الإيطالية وماهي القوى السياسية المورطة في القضية ومن مما دفع الإعلام الى التنبه بوجود القضية .أسئلة تبحث عن أجوبة
مآل النفايات
رغم حديث وزير البيئة عن البحث عن سبل إعادة تصدير النفايات الى بلد الموقع هو أحد السبل للتخلص من النفايات إلا إن هذا الحل غير ممكن عمليا فالتوريد تم من خلال صفقة بين شركتين من القطاع الخاص بترخيص من مؤسسات الدولة ولئن تلاعبت الشركة التونسية بالقوانين فان الجانب الإيطالي لا يتحمل اية مسؤولية والمطلوب الان ليس إجراءا إداريا بل تكوين لجنة من الخبراء التونسيين للبحث عن حلول قانونية في علاقة بالاتفاقيات الدولية والثنائية من بينها اتفاقية باماكو واتفاقية بازل والبحث عن ثغرات قانونية قد تساعدنا على إيجاد صيغة ما . وفي انتظار ذلك وجب على السلطات المسؤولة إخراج هذه النفايات من ميناء سوسة حتى لا يطول بقائها فيه مع إجبار صاحب الشركة على كراء مخازن على حسابه الخاص تحت مسؤولية الديوانة لتخزين النفايات في انتظار وجود الحل الذي قد لا يأتي .
تبقى الهياكل والمؤسسات الحكومية التي تعنى بالمسألة البيئة مسؤولة على كل تجاوز في المجال الا ان تفعيل هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة المجمدة رغم المصادقة على إقرارها هو احد أهم الحلول لكل الإشكاليات البيئة التي تجابها بلادنا وما أكثرها وما أخطرها هذا الى جانب إعادة النظر في حوكمة القطاع ككل.
حافظ الهنتاتي
كاتب المقال La rédaction