صفاقس : نجاحات جهوية ... وفشل مركزي

يتحكم في هذه الديناميكة عنصران رئيسيان الأول ذاتي داخلي والثاني مركزي خارجي و يبدو أن لكل عنصر سرعته ووجهته وسنحاول عبر استعراض بعض الأمثلة كيف ان المطلوب حاليا هو خلق اطر التفاعل بين الجانبين لتوفير الأرضية اللازمة لتحقيق التحولات النوعية للجهة وللبلاد ككل .
إلى الإمام
نطلق في استعراضنا بالجانب الجهوي فنهاية الأسبوع الماضي مثلا شهدت عدة إحداث مهمة تؤكد أن البوصلة موجهة إلى الإمام والى المستقبل . ومن بين هذه الأحداث إعطاء إشارة الانطلاق لمركز محاكاة طبي بكلية الطب بصفاقس بدعم مالي أمريكي بحوالي 5مليون دولار . وقد اختار الممولون صفاقس لاقامة المركز الاول من نوعه في تونس وشمال افريقيا والأكيد أن هذا الاختيار ليس وليد الصدفة بل لقناعة راسخة ومعرفة مسبقة بان لدي هذه المؤسسة وللجهة قدرات بحثية وتاطيرية معترف بها دوليا ستساعد حتما على تحقيق النتائج المرجوة .
أما الحدث الثاني فهو تنظيم ملتقى حول موضوع القمامة والحلول الفنية لتجاوز الأزمة التي تعيش على وقعها صفاقس بمشاركة عديد الجمعيات والخبرات والجامعيين في تعاون وثيق بين مكونات المجتمع المدني وجامعة صفاقس وخبراء على المستوى الوطني .هذا الملتقى هو الثاني من نوعه في ظرف شهرين .
فرغم أن إشكالية النفايات هي إشكالية وطنية فان تنظيم لقاء جهوي في غياب وزيرة البيئة لتدارس إشكالية وطنية وتقديم بعض تصورات الحلول يؤكد ان للجهة من القدرات والخبرات ما يمكنها من أن تساهم في البحث عن حلول لإشكاليات عجزت السلط المركزية على التوصل إلى حلها رغم طرح المشكل منذ عدة سنوات و مرور أكثر من 100 يوم على انطلاق الأزمة والتي ستكون تكلفتها عالية جدا على عديد المستويات البيئية والصحية والاقتصادية والاجتماعية خاصة وان لا آفاق لحلها بفعل عجز تام من قبل السلط المركزية على تقديم الحلول الاجتماعية والتنموية وعدم ايلاء الجانب الاتصالي المكانة التي يستحقها
نصل بعد هذا الى العنصر الايجابي الثالث وهو إعلان احد الشركات الأجنبية المنتصبة بصفاقس عن عزمها القيام بتوسعة نشاطها وانتداب حوالي 200 مهندس جديد لتامين مهماتها وذلك رغم تدهور جودة الحياة في الجهة ولا مبالاة السلطة وإمعانها في عدم اتخاذ القرارات المحفزة لمزيد تطوير هذه المشاريع من تحسين البنى التحتية والنقل والتنقل وجودة الحياة .
اذن ثلاثة عناصر نجاح تؤكد مرة أخرى أن هذه الجهة لديها من القدرات الذاتية ما يساعدها على توفير الفرص لأبناء الوطن لمزيد التطوير خدمة لمتساكني الجهة والبلاد ككل .
هنا يعود السؤال القديم المتجدد ماذا فعلت السلط المركزية لمساعدة الجهة على مزيد تطوير قدراتها وتوفير الإطار الأمثل لدفعها لمزيد العطاء ورفع العراقيل امامها
إلى الوراء سر
ليس من باب التباكي القول ان جهة صفاقس بكل مكوناتها مدينة ومعتمديات تعيش الضيم والحيف وهذا ليس إحساس فقط بل تأكده عديد الوقائع ومن اهم الاسباب لذلك عدم تامين السلط المركزية لدورها في الرعاية والإحاطة والمساعدة لتوفير الأرضية اللازمة للقوى المحلية والجهوية لمزيد العطاء .
وما وجب لفت الانتباه إليه انه في كل التحولات الوطنية يسود الاعتقاد في صفاقس انه سيقع القطع مع السياسات المركزية الفاشلة القديمة وستكون السلطة المركزية الجديدة من الذكاء والفطنة ان تعطي امكانات اتخاذ الجهة للقرار والابتعاد على الاسقاط والمقاربة القطاعية من خلال تبني منهجية المقاربة المندمجة للاستجابة لطلبات الجهة . اخر هذه التحولات 25 جويلية التي بني عليها الأمل في أنها ستقطع مع المنظومات السابقة وتساعد الديناميكية الجهوية على مزيد التطور والتخلي على كل ما هو سلبي لتنطلق الجهة نحو آفاق أرحب .
عديدة هي الانتظارات التي لم تقع الاستجابة اليها وعديدة هي الأمثلة التي يمكن تقديمها للتأكيد ان نفس التمشي مازال متواصلا الى حد ألان في علاقة الجهة بالمركز .
فرغم ما لدى الجهة من كفاءات مشهود لها داخليا وخارجيا فان السلط المركزية تتناسى ملفات صفاقس بل تمعن في تناسيها وقبرها وفرض تصوراتها والامعان في اخطاء الماضي .
فهل يعقل ان تبقى شركة ميترو صفاقس من دون رئيس مدير عام منذ ما يقارب على العامين
وهل يعقل ان يبقى القطب التكنولوجي بصفاقس من دون مدير عام منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وهو المكبل بالعقلية الإدارية السائدة في المركز
وهل يعقل ان يقع تغيير مدير عام شركة تبارورة دون ان يكون للمدير العام المعين اي تصور او برنامج لتجاوز الإشكالات الهيكيلة التي يعرفها المشروع منذ عشرات السنين ومن دون اية خلفية حول مثل هذه المشاريع
وهل يعقل أن تقوم وزارة التجهيز بالإمعان في تجاهل مطالب الجهة والالتفاف على قرارات اتخذها الوزير السابق بخصوص الجزء الثالث لمدخل الشمالي الجنوبي والذي إن انحز بالشكل الذي تريده الوزارة سيفصل المدينة على بحرها
وهل يعقل أن يبقى المستشفى الجديد بصفاقس من دون ميزانية ومن دون شخصية قانونية رغم كل المجهودات التي قام بها المشرفون عليه من إطارات عسكرية ومدنية من مجهودات جبارة لكي يقدم جليل الخدمات للمواطنتين وخاصة المصابين بكوفيد من الجهة ومن بقية ارجاء البلاد
وهل يعقل ان تعجز وزارة البيئة و الحكومة ككل ورئاسة الجمهورية على إيجاد حل لازمة النفايات بعد أكثر من 100 يوم وتقديم تصور أولي للحل رغم تشدق المسؤوليين بان هناك إستراتيجية وطنية جديدة للتصرف في النفايات
وهل يعقل ان لا تشارك وزيرة البيئة في أشغال ملتقى هام حول إشكالية التصرف في النفايات وهي التي علمت بتنظيمه منذ مدة طويلة
وهل يعقل ان يقع الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في كل مرة يقع فيها طرح مشروع بصفاقس رغم قناعة الجميع بان نص القانون المنظم لهذه الشراكة هو أصل الداء والتعطيل
وهل يعقل ان يقع الحديث عن ضمان للدولة بأكثر من ألفي مليار بخصوص مشروع ميناء المياه العميقة ولا تقوم الدولة بتقديم نفس الضمانات للمشاريع الكبرى في صفاقس رغم ان هذا المشروع يعتبره عديد الخبراء في مجال البيئة واللوجستيك والاقتصاد فاشلا وسيكون ماله مثل مشروع مطار النفيضة .
وهل يعقل ان يقتصر مطار صفاقس على السفرات الدولية التي تؤمنها شركات طيران أجنبية في غياب تام للشركة الوطنية . والأمثلة كثيرة
لقد أن الأوان للقطع مع كل انتاجات المنظومة السابقة وليكن للقائمين على السلطة في تونس الان من الجرأة ما يدفعهم للتخلي على الخيارات السابقة التي اظهرت فشلها والتأسيس لخيارات جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين والوطن وليس مصالح المضاربين والفاشلين . فسياسة النعامة لا تجدي نفعا .
صفاقس ليس الوحيدة التي تعاني من هذه المركزية المتواصلة منذ عقود وفرض تصورات وبرامج في مكاتب الوزارات لا تأخذ بعين الاعتبار ثقلها الديمغرافي( مليون 200 الف و ساكن) وتاريخها وقدراتها المهمة وامكاناتها في مجال المبادرة والعلم خاصة وان عديد الجهات الأجنبية مقدرة حق قدرها هذه العناصر .
فمواطنو صفاقس غير مستعدين لتتواصل سياسات العشرية السوداء وما قبلها .
وهم يتطلعون إلى تغيير فعلي في السياسات العامة في المجال العلاقة بين الجهة والمركز
حافظ الهنتاتي