هل يخفي هذا الوجه القبيح جمال روح مجتمعنا؟

نفس التقرير يقر بارتهان بعض وسائل الاعلام لبعض المترشحين. نفس التقرير يبرز وجود تمويلات مخفية ولا يمكن التثبت منها واستعمال جمعيات لأغراض انتخابية بطرق مختلفة وكل ذلك مكونات عملية تحيل انتخابية.
انساق الناخب في هذا المخطط رغم معرفته الواعية والغير واعية بذلك ليفرز مجلس نواب الشعب همه خدمة المصالح الخاصة قبل العامة. مجلس نواب الشعب أغلبيته امتهنت مخالفة القانون للوصول للسلطة وهي من ستشرع اليوم. هذه الأغلبية تفانت بالإطاحة بحكومة الفخفاخ التي انتهجت طريق الإصلاح ومقاومة الفساد وتكريس مجتمع المواطنة وتكافؤ الفرص.
اسقطت الحكومة باستعمال نفس منظومة المال والاعلام. كان الحل يكمن في سلطة قضائية سليمة تكرس العدل وتمنع التحيل. لكن نشهد اليوم صراع بين القضاة افرادا ومنظمات يكشف ولاء لأحزاب وتهم اثراء غير مشروع وتهم فساد، مما يأكّد بأن القضاء في تونس ليس أداة عدل. بقي الأمل بعد استقالة الياس الفخفاخ في أن يختار رئيس الجمهورية خير خليفة له يواصل نهج الإصلاح ويقاوم الفساد، فاختار هشام المشيشي.
ارتمى هذا الأخير في أحضان المتحيلين الفاقدين للحلول والممتهنين للشعبوية فأشعل البلاد بإعلان الاستجابة لكل من لديه وسيلة ضغط سميت "الفانا" فيما توهمه حل لأزمة الكامور.
من هنا انطلقت كرة الثلج وسعى كل من لديه وقت ضغط لاستعمالها استجابة لرئيس الحكومة فتحول الصراع الى صراع بين الجهات ومكونات المجتمع وزرع بذور غضب مجهول المآل. هذه الفترة الخطيرة تديرها حكومة يتجلى عجزها في تقديم حلول للبلاد أو حتى في تمرير قانون المالية. حكومة بدأت أحزاب الأغلبية النفور منها بعد توريطها.
هذه الطبقة الحاكمة اخترناها كمجتمع وكناخبين بمن صوت ضدها ومن لم يصوت، انها نتاج أغلبية الشعب، والشعب مسؤول على وجودها وادائها، أهي صورة مجتمعنا؟ هي تعبيرة عن الوجه القبيح لمجتمعنا يبرز في كل السلط وكل المؤسسات وقد يعصف بها.
هل هذا الوجه تعكسه مراة حقيقتنا أم انه يخفي جمال مدفون لن يبرز الا بعد إزاحة هذا الغبار العفن الذي تراكم زمن الدكتاتورية وأخفته عمليات التزويق المحكمة.
اليوم نحن من يرسم طريقنا ونحن من اختار ونحن من يقبل الأكاذيب ونحن من ينساق في المطبات ونحن من يرضخ للوضع ويقبل غياب الحلول. هذه المنظومة الفاسدة تأرجحت زمن الثورة لكن سرعان ما وجدت ضالتها في حكامنا اليوم. أسقطت الثورة النظام ولم تسقط المنظومة الفاسدة. وسقطت القوى الصادقة في فخ التعفف والحلول السهلة ولم تأزر بعضها البعض فضعفت وخفت صوتها وطمس بريقها عند الشعب.
تحررت منظومة الفساد وكبرت بالأكاذيب لكنها برزت اليوم بجشعها وفشلها وهي الوجه القبيح لمجتمعنا.
هذا الوجه المتجسد في الأنانية والوصولية والمحاباة والرشوة والمصلحية المفرطة. كلها وغيرها أمراض تنخر مجتمعنا ولن يتعاف منها الا بمناعته الخاصة من جدية وقيمة العمل والصدق وعدم التستر وعدم مؤازرة المذنب بغطاء الانتماء.
على كل مواطن صادق الانتفاض ضد أمراض مجتمعنا وحينها يصلح القضاء والاعلام والأحزاب والحكومات والإدارة وكل مؤسسات الدولة وتركز الغائبة منها.
لن ينقذنا من يعدنا بالعودة للمصدر، لن تنقذنا عبير وحزبها. فما نعيشه اليوم هو نتاج حقبة مظلمة انقلبت فيها القيم المجتمعية فأصبح أسوؤها أحسنها.
لا تعدنا به سواء العودة إلى نظام قادر على التزويق والتحكم في منظومة الفساد وليس محاربتها والقضاء عليها. أن مصيرنا بين أيدينا وعلى الصادقين منا التحرك لرجوع القيم المجتمعية الفاضلة والتشهير بكل من يسعى لتدمير الوطن لصالحه. لن تعطينا تونس شيء لكن يمكننا أن نبني وطنا أحسن يجد فيه كل مواطن كرامته و"قدره".
لدينا كل مقومات النجاح ونحن بصدد اهدارها كل يوم بالصمت والعمل الفردي والفئوي.
مصيرنا مشترك وتقدم وطننا بأيدينا نحققه متى عملنا للصالح العام قبل الخاص، نحققه لما لا نسكت على التخريب ونقاومه ونحققه متى نأبى على أنفسنا الانخراط في الفساد والحلول السهلة بتعلة "هكذا تسير الأمور" فعدم الانخراط ليس سذاجة بل مقاومة.
* بقلم : كمال القرقوري