قيس سعيد والقضاء: كشف للمستور أم رغبة في التوظيف السياسي؟
وقال رئيس الجمهورية ان ' هناك من يريد أن يسطو على بعض الملفات وبعض المؤيدات في عدد المحاكم ولكن أنّى له ذلك ...' .
وأضاف قيس سعيد قائلا: نحن نتابع هذه الأوضاع متابعة مستمرة حتى لا يفر من العدالة أي كان مهما كان موضعه ومهما كانت ثروته ... سنعمل مع القضاة الشرفاء الذين سيواجهون هذه الضغوط... وهم لن يركعوا ولن تهزهم المحاولات البائسة لضرب استقلاليتهم'.
فأي سلطة لرئيس الجمهورية على القضاء؟ وهل هناك اختراق سياسي للقضاء؟ ولماذا يصمت المجلس الأعلى للقضاء أمام هذه الاتهامات الخطيرة؟
حدود صلاحيات رئيس الجمهورية في علاقة بالسلطة القضائية
حجّر الدستور كل تدخل في سير القضاء و حسب الفصل 102 منه فان 'القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل و علوية الدستور و سيادة القانون و حماية الحقوق و الحريات، والقاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون' ، ما يعني أنه لا سلطة لرئيس الجمهورية على القضاء.
ولكن وفق الفصل 106 من الدستور فان القضاة يسمّون بأمر رئاسي بناء على رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء و 'يسمى القضاة السامون بأمر رئاسي بالتشاور مع رئيس الحكومة، بناء على ترشيح حصري من المجلس الأعلى للقضاء... ' .
هل يقصد رئيس الجمهورية حركة النهضة وحزب قلب تونس؟
تأتي تصريحات رئيس الجمهورية بعد قرار قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي إبقاء رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي بحالة سراح، مقابل توفير ضمان مالي قدره 10 ملايين دينار، وهو المبلغ الذي جاءت به نتيجة الاختبار التكميلي الذي أجري في قضية شبهة تبييض الأموال التي تعلقت به.
وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قال في تصريح سابق إنه على ثقة في براءة رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي معتبرا أن ' المسألة مسألة ضرائب وقوانين مالية، وهي الآن بين أيدي القضاء مضيفا :نحن لنا ثقة في قضائنا وفي أنه سينصف الرجل وسيخرج معززا مكرما.
ولا تعد الاتهامات الرئاسية بوجود محاولات للتلاعب بالملفات القضائية الأولى من نوعها حيث سبق لرئيس الجمهورية الإشارة في جويلية 2020 الى اختفاء المحاضر التي تعلقت بحادث السيارة المخصصة للوزير السابق المحسوب على حركة النهضة محمد أنور معروف من المحكمة الإبتدائية بتونس وهو ما نفاه آنذاك رئيس وحدة الإعلام والاتصال بالمحكمة الإبتدائية بتونس محسن الدالي.
لماذا يصمت المجلس الأعلى للقضاء؟
يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله، وتقترح الجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة صلبه الإصلاحات، وتبدي الرأي في مقترحات ومشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء التي تعرض عليها وجوبا، ويبتّ كل من المجالس الثلاثة في المسار المهني للقضاة وفي التأديب، حسب نص الدستور.
و رغم الضمانات الدستورية و القانونية و التنظيمية التي منحها المشرع و الدستور للسلطة القضائية الا أن هياكل المهنة القضائية وخصوصا مؤسستها العليا المجلس الأعلى للقضاء لا تزال تلازم الصمت إزاء تصريح رئيس الجمهورية الذي كان بحضور رئيس المجلس الأعلى للقضاء .
ولم يكلف المجلس الأعلى للقضاء نفسه حتى مجرد الاذن بإجراء الأبحاث اللازمة وتعهيد النيابة العمومية بهذا الملف مثلما فعل سابقا في ما عرف بملف القاضيين الطيب راشد و البشير العكرمي .
يجد القضاء التونسي نفسه في مرمى سهام النقد مجددا ولكن هذه المرة من قبل رئيس الجمهورية الذي تحدث عن قضاة شرفاء سيعمل معهم لمواجهة الضغوط و محاولات التلاعب بالملفات وضرب استقلالية القضاء.
يلتقي تصريح رئيس الجمهورية مع عدة تصريحات لمحامين يرافعون في قضيتي الشهيدين بلعيد و البراهمي و تيارات سياسية يسارية تتهم القضاء بخدمة أجندة نهضوية ويمكن هنا أن نتساءل هل أن تصريحات رئيس الجمهوية تعد كشفا للمستور أم رغبة في التوظيف السياسي للقضاء ؟ و هل تحول القضاء الى مسرح جديد للمعركة السياسية ؟
كاتب المقال غازي الدريدي