أزمة الغاز : أزمة حوكمة أم أزمة حكم؟
رغم عمق الأزمة وخطورتها فان التعامل الحكومي معها حسبتصريحات المواطنين في وسائل الإعلام لم يكن بالمستوى المنشود ولم تقع الإستجابة لانتظاراتهم .بل الاتصال الحكومي في التعامل مع الأزمة كان ضعيفا ولم يتم التعامل مع أسباب الأزمة ميدانيا مما ينبأ بقرب حلها .ورغم عديد التصريحات بان الاعتصام سيرفع عن قريب الا انه والي حد اليوم السبت 28 نوفمبر يبقى مدخل المنطقة الصناعية بغنوش مغلقا بفعل الاعتصام . وقد اختار المعتصمون ان يشلوا الحركة في هذه المنطقة باعتبار انها تضم معمل الغاز المسيل ومستودعات الخزن والتي توفر حوالي 40 في المائة من الإنتاج الوطني من هذه المادة وتغطي حاجيات الجنوب بدءا بقابس ومرورا بصفاقس ووصولا الى توزر وقفصة ومدنين وتطاوين أي ما يمثل حوالي ربع سكان الجمهورية
امام غياب مؤشرات قرب انتهاء الأزمة ورغم ما قاله رئيس الحكومة أمام البرلمان من ان الحكومة لن تخضع للابتزاز فان معاناة المواطنين في صفاقس وبقية ولايات الجنوب تواصلت وهي مقبلة على مزيد التفاقم في قادم الأيام. فالكميات التي وفرتها السلط الى حد ألان من معملي بتنزرت و رادس لم تغطي الا جزءا بسيطا . في حين ارتفع الطلب بفعل تنامي حاجيات المواطنين بعد انخفاض درجات الحرارة من جهة وبروز ظاهرة الاحتكار من جهة أخرى ويضاف عنصر ثالث خاص بصفاقس هو الطلب على هذه المادة من قبل أصحاب التاكسيات . وهي ظاهرة فريدة من نوعها في الجمهورية تختص بها صفاقس
أزمة ظرفية أم أزمة حكم
رغم أن اعتصام غنوش جاء من اجل المطالبة بالشغل والتنمية فان فهم بعض أسبابه وأبعاده يقودنا إلى التعرض إلى عدة جوانب أخرى .فهذا الاعتصام وهو ليس الوحيد الذي يعطل الإنتاج أو التوزيع لمادة معينة يعتبره المحتجون الطريق الوحيدة الناجحة لفرض مطالبهم على الحكومة وجرها إلى الخضوع لطلباتهم أسوة بما حدث في الكافور. فالصورة التي سوقتها حكومة المشيشي لنفسها بإمضائها الاتفاق مع تنسيقية الكامور هي صورة خضوعها لمطالب تحت الضغط وهو توجه لم تعتمده لا حكومة الشاهد أو حكومة الفخفاخ.
كما أن أزمة الغاز تؤشر على بدء موسم الاحتجاجات التي تعيش على وقعها البلاد منذ ديسمبر 2010 . فسنويا يشهد شهرا ديسمبر وجانفي من كل سنة تأججا في التحركات الاجتماعية في عديد المناطق من الجمهورية تحت شعار التشغيل والتنمية ورغم هذا المعطى الموضوعي فقد وجب التوقف عند الأزمة السياسية غير المسبوقة التي تعيش على وقعها البلاد . فبعد سنة على الانتخابات الرئاسية والتشريعة لم تعرف تونس استقرارا سياسيا بل تعيش على وقع استفحال زمة الحكم والتي تجلت في تكوين حكومتين وعدم حصول ثالثة على ثقة البرلمان . وبالعودة إلى تصريحات عديد السياسيين أخرها ماصرح به الحبيب الجمني الذي كان مكلفا بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات فان الأحزاب وخاصة التي تتمتع بأغلبية في مجلس النواب هي سبب هذه الوضعية .فهي تريد التحكم في احد راسي السلطة التنفيذية في ظل خلاف كبير مع رئاسة الجمهورية . الرأس الثاني للسلطة التنفيذية
خطاب متشابه يزيد في الدفع إلى الأزمة
رغم اشتداد الخلاف بين رئيس الجمهورية و مجلس النواب وقد تجلى في عديد المناسبات والتصريحات رغم ما تعانيه البلاد من تأثيرات وباء الكورونا إلا أن راسي السلطة يوجهان نفس الرسالة للمحتجين فهما يتقاسمان فكرة تحكم الجهات في خيراتها الطبيعية . فقد قابلت مقولة رئيس الجمهورية "الشعب يريد" ما صرح به مؤخرا وفي ظل الاحتجاجات رئيس مجلس النواب بأحقية الجهات في جزء من الخيرات بها . وهذا ما عقّد خطط الحكومة للتعامل مع هذه الاحتجاجات . فالي حد اليوم لم تحزم الحكومة أمرها لفرض سلطة القانون . ورغم ما صرح به رئيس الحكومة أمام البرلمان اليوم بأنه "سيتم مواجهة العنف بقوة القانون لأن التنمية لا تتحقق الا في مناخ هادئ تتظافر فيه جهود الجميع".فان رفع الاعتصامات بالقوة غير وارد بل هناك توجها يقوم على تجنب أي تصادم مع المحتجين . وان كان التوجه خيارا فانه في الحقيقة ليس اختيارا بل هو أمر يفرضه الواقع.فالحكومة مشغولة بعديد الملفات الكبرى وأي تصادم مع المعتصمين قد يزيد في إنهاكها وهي المنهكة أصلا .فعلاوة على الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي لم تعرف البلاد مثيلا لها وتزامنها مع أزمة أخرى شديدة التعقيد وهي أزمة تمويل ميزانية 2021 والميزانية التكميلية لسنة 2020والخلاف مع البنك المركزي حول هذا الموضوع تجد حكومة المشيشي نفسها في مجابهة موجة ثانية من فيروس الكورونا أودت بحياة عديد المواطنين وبينت عجز الهياكل الاستكشافية على استعاب المرضى .
مع اقتراب الذكرى العاشرة ل17 ديسمبر تعددت إشعارات الإضرابات فالي جانب الصحافيين والمهندسين فان أعوان شركة الستاغ و بعض الشركات البترولية الذين أعلنوا الاضراب يومي 9 و10 ديسمبر فان قطاعات أخرى إضافة الى عدد من الجهات قد تعلن هي أيضا دخولها في تحركات احتجاجية للمطالبة بتنفيذ اتفاقات سابقة او احقيتها في التنمية
هكذا تجد حكومة المشيشي نفسها في مجابهة عواصف التحركات الاحتجاجية والبحث عن تمويل للميزانية ومطالب إجراء تحوير وزاري والتكفل بمرضى الكورونا هذا في ظل ضعف كبير في العملية الاتصالية الحكومية