رأي: الرئيس والبرلمان قراءة في الاتصال السياسي لقيس سعيد

الرئيس قيس سعيّد وردّه إلى البرلمان بشأن تنقيح القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية، هو في الظاهر عمليّة اتصاليّة بين الرئيس وشركائه في الحكم، لكنّها في الأصل نوع من أنواع ال "permanent campaign"، كيف ذلك:
-أوّلا حجم الرسالة والنص المكتوب يُحيلنا إلى أنّ الرئيس يملك ما يكفي من الحجج القانونية التّي استغلها لتبرير ودعم موقفه، وهو استعراض ل"عضلات عقله" وفقهه القانوني -كما يفعل دائما- حتّى يُحافظ على الشخصيّة التّي تقمّصها في مشواره السياسي القصير، وهي "رجل القانون، غير الفاسد والنزيه".
-ثانيا: توقيت نشر الرسالة في ساعة متأخرة من الليل على منصة فايسبوك، إلّي هي ميديا اجتماعيّة، مع الإشارة إلى أنّه تمّ إرسالها مساءا (قد يكون خارج توقيت سير العمل العادي للبرلمان)، اختيار ذلك التوقيت يتجاوز الرسالة الاتصالية التقليدية [الرئيس يعمل ليلا نهارا] وتحيلنا إلى أنّ الشّعب، الذّي سارعت الرئاسة بإخباره، معني بالموضوع بدرجة أولى حتّى أكثر من البرلمانيين إلّي من المؤكد إنّوا عدد كبير منهم تلقّى الخبر مثله مثل عامّة الشعب من الفايسبوك، وعدد آخر ربما تلقاه في الغد..
-ثالثا: نشر محتوى الرسالة - بشكلها التقليدي والخطّ اليدوي الذّي يوحي لنا بالعصور القديمة- على المنصات الاكترونية التي هي نتاج الثورات التكنولوجية المتواصلة ومحاولات التجديد الرقمي، لا يحيلنا إلا إلى مصطلح "hyper-sphere" اي "الفضاء الهجين"، وهو مصطلح اقترحته الباحثة الفرنسية Louise Merzeau على غرار فضاءات أو مجالات الميديا الثلاث (média-sphères) التي أسسها عالم الميديولوجيا الفرنسي Regis Debray. ويتعلق هذا "الفضاء الهجين" أساسا بالوسائط الشبكية والميديا الالكترونية مثل منصات الميديا الاجتماعية (فايسبوك، تويتر، انستغرام،...) وسمّيت هذه الفضاءات بالفضاءات الهجينة بإعتبار الممارسات التقليدية التي غزتها، بمعنى أنّنا أصبحنا أمام فضاءات جديدة الشكل تقليدية المضمون! وفي علاقة بالاتصال الرئاسي لقيس سعيد، تحوّلت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية إلى فضاء هجين كنتيجة لمحاولات الرئاسة لتأسيس ميديا خاصّة بها، خاصة في ظلّ المشهد الاعلامي القائم وانتشار الصحافة الحزبية التّي تتعارض غالبا مع مصلحة الرئيس.
هذه الاستراتيجية ليست خاصة بقيس سعيد بل يتبعها أغلب الرؤساء حول العالم، مع الاشارة إلى أن قيس سعيّد يأتي في المرتبة 47 من قائمة ال Top50 لأكثر السياسيين متابعة في العالم على منصة فايسبوك وفق موقع Twiplomacy.
بقلم نرهان كاهنة
باحثة في الاتصال السياسي