رأي :ماذا يعني أن تكون المدرسة فضاء نعلّم فيه ونتعلّم الإنسانية؟

. ولعل الوفاة المروعة لأستاذ التاريخ صموئيل بآتي والتفحيرات الدامية التي تعرضها وسائل التواصل الاجتماعي تدفعني الي القول بأن هده المشاهد المروعة قد تتحول لدى ابنائنا الي ثقافة سلوكية بل الي شكل من أشكال تمثلهم للعالم. لذلك فإن واجب حمايتهم من ثقافة العنف وهيستيريا الدمار يدفعني أن اطرح هذه المسألة ضمن مقاربة بيداغوجية تربوية ولا ينبغي أن نتكتفي بتحليلها وطرحها ضمن محددات السياسة والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية ومشاكل الاقصاء وشبكات الإرهاب والتهريب الخ.
اعتقد اذن ان هذه الأحداث الأليمة تدعونا الي معالجتها ضمن مقاربة تربوية متعقلة وواعبة بحجم التحدي. ضمن هذا الإطار نطرح اشكالية التربية على حرية التعبير كاحدى اهم التوجهات التربوية المستقبلية حماية للأطفال المتعلمين من التنامي المهول للاصولية.أرغب من خلال تدوينتي في إصدار صوت تربوي يجعل من تعليم حرية التعبير إحدى اهم المهارات والكفايات الحياتية. كيف السبيل اذن إلى تربية على حرية التعبير؟ ما هي الآليات والوضعيات البيداغوجية الكفيلة بتحقيق ذلك؟
ماذا يعني اليوم ان تكون المدرسة مجالا نعلم فيه ونتعلم الإنسانية؟ هل مازال بإمكاننا تعليم الإنسانية في المدرسة؟ فالبرامج الرسمية في مستوى الابتداىي والثانوي تعاني من تدهور معرفي لمفهوم الإنسانية.
وحتى بعض مايدرس في المواد الاجتماعية والإنسانية يكاد لا يتجاوز مستوى بعض التأكيدات الأيديولوجية في مضامينه ومستوى المعارف البخسة على مستوى الأهمية التعلمية التعليمية.
فالتعليم يقوم علي المنافسة الشديدة والتهميش والاقصاء (اكثر من 100000 تلميذ يغادرون المدرسة سنويا دون 16 سنة.).
والمعارف المدرسية لا تعدوا ان تكون سوى مضامين يقع استردادها للحصول على اعداد جيدة يوم الامتحان. لا نحد مقاربة تجعل من تعليم العلوم والمعرفة أدوات تمكن الأطفال من استيعابها في بناء مساراتهم الشخصية وتاسسهم كقوة تحرر.
يقتضي تحول المدرسة الي فضاء نتعلم فيه الحرية بلورة وممارسة وضعيات بيداغوجية حوارية بين التلاميذ تمثل فرصا لاكتشاف الآخر كخطوة أولى نحو التحرر. إن الصراعات الذهنية (مفهوم الصراع المعرفي الاجتماعي الشهير لعلم النفس الاجتماعي) بين الأفراد تمثل فرصة للانفتاح على الآخرين ، على أفكارهم ، وطرق تمثلهم العالم. إن تعويد الأطفال على المناقشات والمواجهة اللفظية ومقاربة الاختلاف بقوة العقل والبرهان يجعلهم أكثر ميلًا إلى أخذ رؤية الآخر في الاعتبار بهدوء ورصانة.
أود أن أختتم هذه المساهمة بالتأكيد على انني اعتبر اليوم ان المجتمع التونسي لم يعد مجتمع هوليستبكي كلياني يعيش متجانسا تحت وطاة وسلطة ايديولوحية واحدة و"موحدة". تكون محل إجماع مشترك. إنه يتطور نحو نموذج ذواتي يمثل فيه الفرد بماهو هو ذات وبما هو حرية مبدأ أخلاقيًا وقيميا.
نحن اذن أمام ديناميكية اجتماعية تشكل على ما يبدو عملية ظهور هوية جديدة للمجتمع تقوم على مبدأ التنوع والاختلاف.
وسيكون على المدرسة مواجهة هذه التحولات. ستكون التحديات الاجتماعية والتاريخية للمدرسة ذات بعدين : من ناحية ، يجب على المدرسة ان تكرس لدى الناشئة قيم الاختلاف والتنوع والحرية في تجلياتها المتعددة ومن ناحية ثانية فإن المدرسة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى من تطوير استقلالية الفرد المتعلم حتى يتمكن من الدخول في هذا العالم الأشكالي وتمثله وفق ما نسميه مبدأ التفاعل التواصلي في أفق الحرية. يستدعي ذلك امرين سأتحدث عنهما لاحقا :
* التوجه نحو البيداغوجيا الفارقية كمقاربة بيداغوجية وتعلمية
* القطع مع ما يحكمنا كمربين من هاجس اخضاع الاخر والتحول نحو ما اسميه لذة التربية التي تجعل التلميذ يتشكل كاخر يختلف عني و يفلت من كل سيطرتي.
بقلم : مراد بهلول استاذ تعليم عالي في الفلسفة مستشار لدى الاتحاد الأوروبي في مجال التربية و التعليم