رأي : التخلي على المدينة الرياضية بصفاقس والسقوط الحكومي
وقد جاء هذا التصريح ليخرج إلى العلن وبصورة واضحة وفاضحة قرارا مخفيا أو كان يراد إخفائه لسنوات عديدة وهو في الحقيقة قناعة لدى السياسين في المركز بان مشاريع جه صفاقس ليست أولوية .
ولابد من البحث عن الذرائع لتأجيلها او التنصل من انجازها خاصة ونحن لا نعيش محطة انتخابية .
إذن أحيل ملف المدينة الرياضية على الأرشيف ليبقى ذكرى وهو ليس الوحيد الذي يعرف مثل هذه المصير فعدة مشاريع صفاقس لم ترى النور او تشوهت عند الانجاز.
لقد كانت سنة 2011 كانت سنة الأحلام.. للشعب التونسي . فالكل كان يحلم بالقطع مع الماضي السيئ في تسيير شؤون البلاد .. والانطلاق في مرحلة جديدة لتحقيق الطموحات و تحرير المبادرات.
ومن بين الجهات التي حلمت كثيرا جهة صفاقس .. فشباب الجهة .. وأبنائها وما بما لديهم من كفاءة في مجال المبادرة اعتقدوا أن الوقت قد حان لتحويل عديد الأفكار التي كانوا يحلموا بها الى مشاريع تجسّم على الواقع ومن بين تلك المشاريع تسجيل صفاقس في التراث العالمي وتنظيم الألعاب المتوسطية سنة 2021 وانجاز المدين الرياضية و تنفيذ قرار غلق السياب واسترجاع السواحل شمالا وجنوبا.
لم تكن المدينة الرياضية حلما فقط بل كان فكرة ومشروع تصوّر لدور الجهة محليا وطنيا وإقليميا وهو إحياء لدور تاريخي قامت به صفاقس عبر عديدة المحطات التاريخية القديمة والحديثة فهذه الجهة كان لها حضور إقليمي لافت وان وقع إحيائه سيعود بالنفع على البلاد ككل .
وهذا ما دفع كل القوى في الجهة للعمل بكل ما لديها من إمكانات حتى تحتضن صفاقس الألعاب المتوسطية سنة 2021 مدخل لإحياء هذا الدور. المدينة الرياضية ليست وليدة الثورة بل هي مشروع انطلقت فكرته سنة 2008 و لتجسيمها بعثت سنة 2009 وحدة انجاز وانطلق العمل على البرنامج الفني الوظيفي للمشروع وتمت الموافقة عليه سنة 2012 إلا إن أولى النكسات للمشروع سجلت سنة 2015 بسبب إشكال عقاري بعد أن تبين ان الأرض التي سيقام عليها المشروع في منطقة الحاجب جنوب المدينة هي على ملك الخواص ولم يقع لتفطن لذلك الا بعد 7 سنوات.
في السنة نفسها أي سنة 2015 اقترحت النيابة الخصوصية لبلدية صفاقس قطعة ارض بديلة في منطقة حقونة على بعد حوالي 14 كلم شمالا وهكذا تم عرض المشروع في المؤتمر الدولي للاستثمار 2020 بكلفة تناهز 200 مليون دينار.
صفاقس لم تخسر الفوز بتنظيم الألعاب المتوسطية بفعل تخلي السلطة المركزية بل خسرت المشروع الحلم بفعل قرار مركزي وهذا ليس بغريب على صفاقس جهة المشاريع المقبرة فالسلطة المركزية تواصل على نفس المنهاج رغم ثقل الجهة ودورها وريادتها في مجال المبادرة.
لكن ورغم ذلك بالعودة الى تصريح كاتبة للدولة الرياضة بانه سيقع التخلي على مشروع الرياضية لنظرا لكلفته العالية 1400 مليار و عدم قدرة الدولة التي تشكو مصاعب اقتصادية على تمويله تحولا مباشرا في التعاطي مع هذا الملف وهذا ليس بغريب ففي كل المراحل كانت هناك تعلات تقدم للتأكيد ان المشروع يشكو صعوبات وغير قابل للانجاز.
فمرة المشكل العقاري ومرة البحث عن شراكة بين القطاعين العام وخاص وهو تمشي في ظاهره سليم لكنه غير مجدي عندما يتعلق بمشروع مدينة رياضية كاتبة الدولة للرياضة أكدت في تصريحها انه تم تأجيل النظر في المشروع الى موعد لاحق وهي لغة دبلوماسية للقول انه الغي وهذه المصطلح اعلى درجة من مصطلح تعويمي اخر وهو تكوين لجنة للمتابعة والتقويم المثير للدهشة والاستغراب ان هذا التصريح الذي يعلن أن المشروع قبر نهائيا يأتي في الوقت الذي تحول فيه وفد أرسلته الحكومة إلى صفاقس للنظر في المشاريع المعطلة ومن بينها المدينة الرياضية .
وفي ظل هذا التصريح يبقى التساؤل ماذا سيقرر المجلس الوزاري ? هل سيقع الإبقاء على المشروع ? ام سيلغى مثلما قالت كاتبة الدولة ?وفي كلتا الحالتين فان الثقة مع الحكومة ازدادت تقلصا وهي المهزوزة اصلا . وحتى وان تم الإبقاء على المشروع حتى على الورق وفي التصريحات فكيف ستكون موقف كاتبة الدولة بعد هذا التصريح ؟
مواطنو صفاقس المعروفون بقدرتهم على التطلع إلى المستقبل وفي نفس الوقت بإصرارهم رغم الخيبات أصبحت لديهم مناعة كبيرة في التعامل مع مثل هذه الوضعيات . فسلاحهم هو تشبثهم وإصرارهم على الوصول الى مبتغاهم وهذا مصدر قوتهم . كيف لا و هم من زرعوا الزيتون على مدى عشرات السنين في مناخ شبه جاف وتمكنوا من إغلاق معمل ان ب ك ومعمل السياب وقاوموا كل إشكال الاستعمار والهيمنة منذ آلاف السنين و عرفوا كيف يتأقلمون معها قبل أن يطوروا خطط مقاومتها بطرق مباشرة و بصفة غير مباشرة حتى رفع الغمة عليهم. والأكيد أن المدينة الرياضية في صفاقس ترى النور يوما ما.
مرة أخرى تسقط الحكومة في امتحان العلاقة مع جهة صفاقس التي تعد احد أقطاب التنمية في البلاد .والسقوط الجديد هذه بيد احد أعضاء ها .ومرة اخرى يعوز حكومة المشيشي فن الاتصال والتواصل وتخسر نقاطا ليس بسبب عجزها فقط بل بسب عدم تمكنها من أدوات الاتصال السياسي الذي يعد فنا وتفنية ومن تقنيات ممارسة السلطة.
فهل هناك سقط بعد هذا السقوط ؟
حافظ الهنتاتي