"رقوج" من التلفزيون إلى المسرح: عندما يجسّد عبد الحميد بوشناق جنون الصورة في زمن حي

الانتقال من التلفزيون إلى المسرح ليس نادرًا في حد ذاته، لكنه يظل معقّدًا تقنيًا وجماليًا، نظرًا لاختلاف خصائص كل وسيط، من حيث طبيعة الأداء، وحضور الجمهور، ووسائل السرد، والإخراج البصري.
هل المسرح قادر على استيعاب جنون الصورة، وتعدد المشاهد، والانفجارات النفسية التي عُرف بها "رڨوج"؟
ما الذي يتغيّر حين تنتقل قصة من التلفزيون إلى المسرح؟
منذ ظهوره على الشاشة، لم يكن "رڨوج" عملًا تلفزيونيًا تقليديًا، وإنما اشتغل على نفس طويل، وخيال غرائبي، وشخصيات مشروخة نفسانيًا، وعوالم تنهار على وقع العزلة والعنف والسخرية السوداء.
بوشناق، المتأثر بالسينما أكثر من التقاليد التلفزية، صنع من "رڨوج" عملًا بصريًا مركّبًا، و تجربة تلفزيونية خارج القوالب، تطلب المسرح بطبيعتها، فـ"رڨوج" العمل التلفزي قابليته للتحوّل إلى مسرح تكمن في جوهره.
المساحات المغلقة والحميمية النفسية
شخصيات "رڨوج" تدور في فضاءات ذهنية قبل أن تكون مادية، والمسرح هو المكان الطبيعي لاستكشاف الذهن البشري أمام جمهور حي.
الحوار الداخلي، والهذيان، والكثافة الصوتية واللغوية، كلها مكونات يمكن أن تُعاد صياغتها على الخشبة بمنطق ركحي صرف.
رمزية الأسماء والمواقف، التي تتحوّل في المسرح إلى علامات حية لا تحتاج لتقنيات الكاميرا، بل تُفعّل جسديًا وبصريًا من خلال الجسد والإضاءة.
من التلفزيون إلى المسرح.. عبور لا يُضعف النص بل يختصره إلى جوهره.
في المسرح، لا وجود للمونتاج، ولا للتقطيع، ولا للإعادة، هناك فقط جسد، زمن حيّ، وجمهور، لكن في هذا القيد تكمن الحرية ... في المسرح، يتحرر النص من الزوائد التقنية ليصل مباشرة إلى العمق العاطفي للمتلقي.
عرض "رڨوج" المسرحي، في هذا السياق، لا يعيد تمثيل ما جرى في التلفزيون، بل يعيد تأويله.
في نهاية التحليل، التحويل من التلفزيون إلى المسرح ممكن فنيًا، لكنه يتطلب إعادة بناء لا مجرّد اقتباس. تجربة "رڨوج" المسرحية تُعتبر مثالًا محليًا على هذا التحدي، ومن السابق لأوانه الحكم النهائي على نتائجها، لكنها تطرح أسئلة فنية مشروعة حول حدود التكييف، ومرونة النص الأصلي، وقدرة المسرح التونسي على استيعاب أنماط سردية تلفزيونية مركبة.
القيمة الحقيقية للتجربة لا تُقاس فقط بالنتيجة، بل بالقدرة على كسر الفصل التقليدي بين الوسائط، وفتح النقاش حول مستقبل النصوص المركبة في المشهد الفني المحلي.
مهـــدي بن عمـــر