رأي : تجارة الدين ما النافق فيها الاسلام أم الاسلاموفوبيا؟
الخيط الهادي أو نظام العقد في هذه الحالة هو حتما البدء بالسؤال عما يتاجر به أصحاب هذه التهمة الموجهة لتجار الدين المزعومين وعن تفسيرهم لغباء المتاجرين به مع علمهم بأن المستفيد المباشر هو هم وليس غيرهم.
فعندما نتكلم على تجارة ونعلم العارض فلا بد أن نسأل عن الطالب: فمن يطلب البضاعة الدينية ومن يطلب بضاعة محاربيها ؟ أليس حتما تاجرا في بضاعة بديلة صار نفاقها مشروطا بالحرب على الدين بوصفه البضاعة المنافسة؟
فماذا تبيعون وفيم تتاجرون يا محاربي تجار الدين المجرمين؟ وبصورة أدق من يطلب بضاعتكم هذه وما المقابل المقدم لكم حتى تصبح خبزكم اليومي لان سوقها نافقة بمعيار الكلب اللاهث وراء جرب أفلاطون؟
لماذا تكاثرتهم حتى صرتهم تتنافسون في ما بينكم أيكم أقدر على تحقيق النفاق الضروري لبضاعتكم؟ وكيف صرتهم فرسان الإعلام والجامعات التي تحارب الإسلام بكم اسلاموفوبيا الفاشية اليمينة في الغرب؟
لماذا كسدت سوقكم لدى الشعوب التي تدعون سوقها إلى الجنة بالسلاسل. وما الذي يحوجكم إلى الاستبداد والفساد من المافيات الداخلية والسند الدولي من المافيات الاستعمارية.
وبماذا تعللون مع كل ذلك السند أن منزلتكم عند الشعوب لم يتغير فلم تتجاوزوا السفر فاصل في كل انتخابات لم تستطيعوا تزييفها. هل لأن بضاعتكم فوق مستوى الشعوب أم لأنها بضاعة مغشوشة من جنس بضاعة الصين المزيفة في سوق المنصف باي؟
ذلك هو السر الذي اريد فهمه: وقبل ذلك لماذ كان كل من تقدم منكم معركة الحرب على من تسمونهم تجار الدين سرعان ما تكسد بضاعتهم فيرمون رمي الجيف على ركح الاعلام المأجور
صحيح أنهم قد يعيدون البعض منكم كما يفعلون مع الصديق ضديد اسمه أو مع بعض دحالي قسم الحضارة فتنهال عليهم الجوائز بوصفهم من مليشيات القلم بعد أن يزعم لمموليه أنه اكتشف ثغرة في الإسلام يقدمها في حجاجهم الاحمق؟
كانوا في البداية يتدرعون باليسار الأروبي عامة والفرنسي خاصة ولما فقدوا سنده بعد أن صار هو بدوره يتهم بكونه يسارية اسلامية لم يبق لهم أي برقع فصاروا من جند ماري لوبان والنازبة المحدثة.,
فما السر؟ السر مضاعف وهو عين افلاسهم المضاعف أي المعرفي والقيمي جمعا لفقدان العلم والأخلاق ككل من يتاجر بروحه تجارة العاهراب بأيدانهن:
1-فمعرفيا قل أن تجد اليوم في الغرب من ما يزال يعتقد أن الماركسية علم وأن اليعقوبية سياسة ناهيك عن الجمع بينهما. لكن النخب العربية المتخلفة والتونسية في الذيل منها بخلاف ما يتوهمون ما تزال تعيش خرافات القرن التاسع عشر.
2-وقيميا قل أن تجد اليوم في الغرب من ما يزال يعتدق أنه يمكن تصور سياسة ديموقراطية عمادة إرادة الجماعة الحرة قابلة لأن تكون من دون قيم روحية متعالية على سدا الحاجات النابتية والحيوانية,
وإذا كان دليل القضية المعرفية ثابت في الفكر الأوروبي فإن القضية القيمية ثابتة في الممارسة الامريكية ومعنى ذلك أن الغرب بشقيه ذي الحضارة القارية وذي الحضارة المتجاوزة لها
فتجاوز الحضارة القارية سواء صدر عن ثورة الإصلاح الديني في الغرب أو عن الإصلاح السياسي في الشرق -وكلاهما من الفكر الألماين (لوثر وماركس)- لم يعد يصدق ايا من أوهام النخب العربية التي تدعي الحداثة.
ولا بد أن يكون لذلك علة وعلة وجيهة وقابلة للأقناع ليسر التأكد منها. وهي تاريخية وحقيقية: فيمكن أن نقسم النخب العربية إلى نوعين من الاجيال سأقبل جدلا تصنيفها بمعيار من يعتقد أن النهضة بدأت مع محمد علي:
1-فأما الاجيال الاولى فيمكن اعتبارها ثمرة البعثات الأولى لأوروبا ولفرنسا خاصة ويمكن اعتبار غايتها قابلة لان يكون طه حسين رمزها وكانت في صراع مع المحافظين الذين تعرفوا على الغرب دون انبهار تميز هو به.
2-وأما الأجيال الثانية فيمكن اعتبارها ثمرة الثورات التي تأثرت بالفاشيات التي سيطرت بين الحربين العالميتين أالخمسة أي الاسبانية والإيطالية والألمانية والسوفياتية والصينية.
ويمكن اعتبار المرحلتين تهديميتين لأن الأولى هدمت التراث بالتحقير منه والثانية هدمت الإنسان وشروط قيام الجماعات المنتجة بتبني الدولة الحاضنة التي أنهت كل الحريات وشروط الإبداع.
فكانت النتيجة فساد شرطي قيام الدول بالمعنى الحديث للكلمة أي نظام المؤسسات التي فيه الابعاد الخمسة لكل كيان ذي قدرة فعلية على تحقيق شروط السيادة الوطنية وتعود كلها لتكوين الإنسان:
1-صاحب الإرادة الحرة
2-الإنسان صاحب الرؤية المبدعة
3-الانسان صاحب القدرة العلمية
4-الإنسان صاحب القدرة الذوقية
5-الإنسان القادر على سد الحاجات العضوية والروحية أي الاقتصاد والثقافة
وهذه الصفات كلها فقدت في الفاشيات التي أضافت إلى التحقير من التراث التحقير من الإنسان بأنظمة الاستبداد والفساد حريته وكرامته.
ولسحن حظ "تجار الدين" كلهم نجاهم التاريخ من هذه الامراض لأنهم استبعدوا من الجهاز الذي يظحن الإنسان ويستعبده فلا يبقي إلا على الاشباه من هذه الخاصيات الإنسانية الخمس: بقوا على هامش الدولة واجهزتها فكانت فرصتهم لتحقيق ما فقد عند خدمها.
وجل قياداتهم التي انشغلت بالتربية وبالحفاظ على التراث وعلى الإنسان في علاقته بشروط الاستعمار في الارض وشروط الاستخلاف فيها سواء بقي في الوطن أ
و خاصة إذا هاجر فصارت الحداثة الحقيقة من نيصبهم ولم ينل الآخرون منها إلا قشورها وكل من من الله عليه بالفهم هاجر وصار أقرب إلى الإسلاميين منه إلى "الحداثيين" من خدم المافيات.
ولهذه العلة فالمرحلة الاولى من المنبهرين بالغرب ورمزهم طه حسين كما أسلفت كانوا -رغم ذلك-معافين من اأمراض المرحلة الثانية لأنهم كانوا في الاغلب ممن تحصنوا بالثقافة الإسلامية قبل أن يصيبهم فيروس التغريب الأحمق وليس الاستفادة من روح العصر بمنظور التاريخ الأصيل.
ولهذه العلة كذلك كان جل المتغربين بمعنى المرحلة الثانية التي يمكن اعتبارها قد بدأت مع ما يسمى بالثورات العربية منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي أنهت حتى ما عند جماعة المرحلة الأولى من فضائل
فلم يبق إلى الإنسان العبد الفاقد للحرية والكرامة من خدم المافيات التي نصبها الاستعمار . والعجيب أن الكثير منهم صادقون في دعاواهم أي إنهم يظنون أنهم يحسنون الفعل وأنهم يريدون حقا تحديث شعوبهم وتكوين دولهم.
لكن لما ترى ما حصل -ولا يمكن أن يحملوا المسؤولية لتجار الدين لأن هؤلاء لم يحكموا ولم يسوسوا لا التربية ولا الاقتصاد والا الحكم ولا حتى المعارضة -تكتشف أن العراق وسوريا ومصر والجزائر وحتى بلاد الخليج لم تحقق ما يستحق المقارنة مع ما حصل في جنوب شرق آسيا وحتى في أوروبا الشرقية
لذلك فينبغي أن نسأل عن علل تجارتهم بالحرب على الإسلام والإسلاميين؟ شخصيا لم أجد حجة واحدة يمكن أن تختلف عن الحاجة إلى البحث عن كبش فداء لفشلهم.
ولعل ابرز مثال ما سموه سياسة تجفيف المنابع في الأنظمة التربوية في تونس وقد حاكاها حكام الجزائر خلال العشرية السوداء. فما النتيجة؟ أولا النظام الذي حاربوه بتجفيف المنابع لم يكن نظاما وضعه الإسلاميون. ثانيا نتائح هذ الاصلاح المزعوم كان اكبر نكبة عرفها تاريخ التربية في البلدين.
وهو في تكوين الإنسان أشبه بما حصل في الإصلاح الزراعي. فقد صارت بلاد العرب حتى التي فيها الماء والمساحة تستورد أكثر من 90 في المائة من غذائها العضوي وشروط قيامها العضوي ومثل ذلك في غدائها الروحي وشروكط قيامها الروحي من العلوم والفنون.
لذلك فالمرحلتان آلتا إلى فقدان شروط السيادة أي شروط القيام العضوي وشروط القيام الروحي وصارت الجماعة بسبب سياستهم عامة وتطبيقاتها الاقتصادية والثقافة والاجتماعية علة فقدان الشرطين اللذين لا يمكن لمايسمونه دولة أن يعتبر دولة:
1-لا واحدة مما يسمى دولا عربية كونوها وزعموا تحديثها لها شروط الرعاية الذاتية.
2-لا واحدة مما يسمى دولا عربية كونوها وزعموا تحديثها لهاشروط الحماية الذاتية.
كلها دول متسولة إما في الرعاية أو في الحماية أو فيهما معا لأن من يفقد احداهما سرعان ما ييفقد الثانية. ومما يؤيد أن العلة هي هذه الخيارات التي تجعلهم يتاجرون بالدين سليبا أي بيبيعون يضاعة الحرب عليه مثال تركيا وماليزيا.
فكلتاهما فشلت لما توهمت أن التحديث يكون بتهديم التراث والإنسان بسبب خيار التبعية والتقليد الغبي ونجحت لما قررت أن التحديث الضروري لا يكون فعالا إلا إذا لم يكن تابعا فتحرروا من الحرب على تراثهم وعلى الإنسان فكان لهما ما نرى.
لكن النخب العربية ما يزال جلها في المرحلة الأولى التي يرمز إليها طه حسين الذي بلغ به الحمق زعم المنهجية الديكارتية في نقد التراث في الإنسانيات التي لا صلة لها بالشك الديكارتي
ولذلك فأغلب تجار الحرب على الدين من نسخة أدنى من هذا النوع لفقدانهم التكوين الكلاسيكي لجيل طه حسين أ ي من خريجي الآ داب عامة واختصاص الحضارة خاصة. فهم زبالة الدجل المطلق. وجلهم من سكارى زبيبة الفريب الحداثي والثقافة الصحفية.
لكن الحكام الذين نصبهم الاستعمار غير المباشر لينوبوه في تحقيق مصالحه في المحميات هم من المرحلة الثانية في الغالب أي من نخب الفاشيات الناصرية والبعثة القذافية والبومدينية وحتى البورقيبية وقيائل الخليج وهم الآن يحاولون اعادة الكرة ضد الثورة,
ولكن هيهات فالإسلاميون جمعوا الحسنيين أي إن ابعادهم عن الحكم لأكثر من قرن ونصف مكنهم من تدارك ما كان ينقصهم من ثقافة العصر دون الوقوع في مزالقها بسبب بعدهم عن الحكم فحصلوا على نوع من المناعة ويمكن أن نرى بينهم ما حصل عند الأتراك والملاويين.
ولما كان الغرب نفسه قد تجاوز الماركسية واليعقوبية وصار أقرب إلى ما حصل من مراجعات للماركسية وللايبرالية فإن الصلح بين الحضارتين سيكونبين الاجيال الغربية التي شرعت في الثورة على ماضيهما وتفهم مايجري في عالم القرن الحادي والعشرين
وقد يكون ما ينابزهم به اليمن من وسم "الاسلاموجوشيسم" أصدق وصف لهم لأنهم بنحو ما تجاوز حتى لما حصل في أمريكا اللاتينية من صلح بين الاجتماعي من الماركسية والإنساني من المسيحية لأنهم عادوا إلى حقيقة السياسة بمعناها القرآني أي تحقيق شروط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف فيها
وشرط ذلك فهم المبدأين القرآنيين: البشر اخوة وهو المبدأ الذي وضعته النساء 1 والبشر متعددون ومتساوون للتعارف معرفة ومعروفا ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى وهو المبدأ الذي وضعته الحجرات 13؟.
وإذا كانت هذه تجارة فهي ستكون الرابحة في الغاية رغم كلفتها في البداية أما تجارة الحرب عليها فهي تجارة خاسرة في الغاية حتى وإن بدت ايسر في البداية لأنه يكفي أن يكون صاحبها تاجرا صينيا يبيع البضاعة المغشوشة مثل الدمية ومن التفوا حوله من تجار الاسلاموفويبا.
* بقلم : بروفيسور الفلسفة أبو يعرب المرزوقي