لماذا فشلت المجالس البلدية بصفاقس في الإيفاء بوعودها؟

تعيش اغلب المجالس البلدية بولاية صفاقس منذ اجراء الانتخابات في شهر ماي 2018،  على وقع الاستقالات و التجاذبات السياسية و حرب الكراسي بين المستشارين ورؤساء البلديات، إضافة الى مشكل الصلاحيات و ضعف الموارد التي فاقمتها ازمة الكوفيد... و هو ما تسبب في تعطل العمل البلدي بالصخيرة مثلا لأكثر من عامين و إجراء انتخابات جزئية في جبنيانة، و احتدام الخلافات ببلدية صفاقس الكبرى و ساقية الزيت، في حين اثارت مسالة التفرغ ببلدية العين جدلا قانونيا...

كل الوضعيات المشار اليها أعلاه ساهمت في ضياع مصالح المواطنين بعدد من المناطق البلدية وسط زحام الخلافات و اهتزاز ثقة المواطن في المجالس البلدية المنتخبة، فالمجالس البلدية المنتخبة بصفاقس لم تشهد تحسنا في اسداء الخدمات وتطوير البنية التحتية والنظافة بل اصبح الصراع حول النفوذ بين اطراف السلطة البلدية اهم شاغل، مما يجعل العمل البلدي والحوكمة المحلية أمرا صعبا في ظل عدم استقرار واستقالات متكررة و صراعات خرجت للعلن، لتعمق معاناة المواطنين على عكس ما كان متوقعا

بلدية الصخيرة: سابقة في تاريخ العمل البلدي في تونس

تعيش معتمدية الصخيرة من ولاية صفاقس منذ 26 جوان 2018 على وقع حالة من الاحتقان و التململ في صفوف الأهالي، وذلك على اثر تعطل مصالحهم الإدارية بسبب نزاع على رئاسة البلدية بين رئيس القائمة المستقلة 'الأمانة' خالد فتيريش و رئيس قائمة حركة 'نداء تونس' عبد الحميد الباش، و قد تسبب هذا النزاع في تعطل المصالح الإدارية لأهالي المنطقة البلدية من رخص بناء و ماء و كهرباء و نظافة و صيانة و تنوير و عقود زواج... علاوة على تعطّل مصالح المقاولين و المزوّدين و مصالح الموظفين و العملة داخل المنطقة البلدية

و بعد اكثر من عامين و في سابقة في تاريخ العمل البلدي في تونس، صار من غير الممكن حل المجلس البلدي بالصخيرة و إعادة تنظيم انتخابات جزئية حيث يفرض حل المجلس استقالة الأغلبية اللازمة لحل المجلس قانونيا، او القبول بتولي فتيريش رئاسة البلدية رغم صدور حكم دائرة الاستئناف بالمحكمة الإدارية بتونس يوم 28 سبتمبر 2018 بخصوص النزاع القائم على رئاسة بلدية الصخيرة لفائدته، و هما حلان جوبها برفض المستشارين البلديين لأكثر من عامين...ويبقى الوضع على حاله، بلدية مشلولة و مصالح المواطنين معلقة

بلدية جبنيانة: خلافات تنتهي بحل المجلس البلدي و تنظيم انتخابات جزئية

و على خلاف الصخيرة، فان المجلس البلدي في جبنيانة وقع حله بعد موجة استقالات متزامنة تقدم بها 16 مستشارا بلديا ليمثلوا بذلك الاغلبية اللازمة لحل المجالس قانونيا، و تاتي هذه الاستقالات المتزامنة بسبب خلافات مع رئيسة البلدية المذكورة، و بعد حل المجلس تم تعيين هيئة تسييرية وقتية الى حين تنظيم انتخابات بلدية جديدة يوم الأحد 5 جويلية 2020، و في تلك الفترة لم تتمكن البلدية من القيام بوضائفها على اكمل وجه

بلديتا صفاقس الكبرى و ساقية الزيت: خلافات داخلية و تلويح بالاستقالات

و في بلدية صفاقس الكبرى قاد احد المستشارين البلديين في المدة الأخيرة حملة ضد رئيس البلدية منير اللومي للمطالبة بسحب الثقة منه، ولم تكن هذه الحملة المؤشر الوحيد على ما يعيشه المجلس من مشاكل فقد استقال ثلاثة من رؤساء اللجان، في حين شهدت جلسات المجلس البلدي في عديد الدورات نقاشات ومشادات حادة تسببت في بعض الأحيان في تاجيل جلسات ذات أهمية قصوى للمدينة بفعل تغيب بعض المستشارين وعدم اكتمال النصاب

كما تعيش بلدية ساقية الزيت على وقع خلاف بين رئيس البلدية و عدد من أعضاء المجلس البلدي الذين اكدوا تقدمهم بشكايات الى المحكمة الإدارية و هيئة مكافحة الفساد ضد رئيس البلدية في قضايا تتعلق بسوء التصرف و شبهة تضارب المصالح

ونظم أعضاء المجلس البلدي الذين يتهمون رئيس بلدية ساقية الزيت في هذا الصدد، جلسة مساءلة لرئيس البلدية بتاريخ الـ22 من نوفمبر الجاري، ملوحين بتقديم استقالات جماعية في صورة عدم تقديم رئيس البلدية لاجوبة مقنعة، حسب قول بعضهم

بلديتا 'النور' و 'حزق اللوزة': 'نعرات جهوية' و خضوع لمنطق 'العروشية'

الشلل أيضا البلديات المحدثة، فقد قدمت رئيسة بلدية حزق اللوزة منى بن سالم يوم 19 سبتمبر 2020، إستقالتها من رئاسة المجلس البلدي، مرجعة السبب الى نعرات جهوية يعود تاريخها الى اكثر من 50 عاما و مشاكل في التسيير أعاقت التواصل بين أعضاء المجلس البلدي، وهو ما تسببت في رفع جلسة انتخاب رئيس جديد للبلدية في مناسبتين متتاليتين نظرا لحالة التشنج والإحتقان التي سادت قاعة الجلسة، وقد إنتهت عملية التصويت في الدور الثاني بانتخاب رئيس للبلدية خلفا لرئيستها المستقيلة.

اما بلدية 'الاعشاش بوجربوع العوادنة ماجل الدرج' وهي التي تحمل أطول اسم بلدية بالبلاد التونسية، فيعود السبب في ذلك الى مطالبة أهالي المناطق التي أحدثت فيها هذه البلدية بادراج اسم كل منطقة ضمن تسمية البلدية، كما تمحور الخلاف حول مقر البلدية داعين السلط الجهوية الى التدخل قبل حدوث صراعات قبلية و عروشية، وقد تم لاحقا التخلي ان الاسم و استبداله ببلدية 'النور' في انتظار حل مشكل المقر

بلدية العين: جدل قانوني بسبب 'التفرّغ'

عدم تفرغ رئيس بلدية العين للعمل البلدي اثار جدلا قانونيا،خاصة بعد ان تم اعفاؤه من المهمة استنادا للقرار الذي اعلنه وزير الشؤون المحلية والبيئة مختار الهمامي خلال جلسة حوار بالبرلمان عملا بالأحكام الواردة بالفصل 253 من مجلة الجماعات المحلية ، و قد اعتبر رئيس بلدية العين ان هذا القرار غير دستوري، ملوحا برفع قضية اعتراضية لدى المحكمة الادارية في الغرض وواصل في ذات الوقت تراسه لبلدية العين

عصام بن حسن: تغيير القانون الانتخابي ضرورة حياتية

ارجع أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بصفاقس عصام بن حسن السبب الحقيقي و الجوهري لفشل المجالس البلدية بصفاقس في الإيفاء بوعودها، الى النظام الانتخابي و ما افرزه من مجالس 'مشتّتة' تتكون من أعضاء ينتمون لعشرات العائلات الحزبية، و هو ما يغذي الصراعات السياسية و التي كان لها تأثير سلبي كبير على نشاط المجالس البلدية، وأدت في كثير من الأحيان إلى التشويش على صورتها وخلق حالة من انعدام الثقة، مضيفا ان 'تنقيح القانون الانتخابي بات اليوم مسالة ضرورية و حياتية اذ يجب تغييره بطريقة تضمن فيه قائمة او حزب بعينه الأغلبية المريحة'

و أوضح عصام بن حسن ان إشكاليات ظرفية أخرى تسببت في تعطل عمل المجالس البلدية بصفاقس على غرار ازمة الكورونا وما نجم عنها من مشاكل بين رؤساء البلديات و الوالي تحت مسمّى 'التدبير الحر' حيث اقر بعض رؤساء البلديات قرارات لم يحترموا فيها صلاحيات الوالي تحت 'غطاء التدبير الحرّ'، الى جانب 'العروشية' و عدم خضوع المستشارين البلديين الى دورات تكوينية في سبيل تجنب المغالطات و عدم فهم القانون، خاصة و ان بابا كاملا في المجلة يؤكد على ضرورة التكوين.. والعزوف عن التكوين يؤدي حتما الى التصادم، حسب قوله

كما اكد أستاذ القانون العام ان مسالة التفرغ 'مسالة خاطئة بالأساس' لانها لا تشجع أصحاب المرتبات الجيدة على الترشح الى رئاسة المجالس البلدية، وفق قوله، ومشيرا أيضا الى ضرورة تعديل بعض فصول مجلة الجماعات المجلية على غرار الصلاحيات وقت الازمات و على مستوى العلاقة بالسلط المركزية و خاصة في باب التكوين حتى يكون اجباريا، و اصدار الأوامر الترتيبية للمجلة، بالإضافة الى ضرورة سن قانون جديد ينظم الحالات و الوضعيات الاستثنائية و تفعيل فصل في المجلة لانتداب الكفاءات في البلديات على نفقة الدولة

اما بخصوص المشكل العالق ببلدية الصخيرة، فقد شدد عصام بن حسن على ضرورة تحمل الدولة لمسؤوليتها و تنفيذ الاحكام القضائية و حتى ان اقتضى ذلك كل الوسائل القضائية الملزمة، حسب قوله دائما

منظمة البوصلة: مستوى الشفافية في بلديات صفاقس ضعيف

الأوضاع المضطربة التي تعيش على وقعها اغلب بلديات صفاقس اثرت كثيرا على شفافيتها، وقد وصف مدير مرصد 'بلدية' بمنظمة البوصلة بلال مناعي مستوى الشفافية في بلديات صفاقس، ماعدا بلدية المحرس، بالضعيف، مستغربا احتلال بلدية صفاقس الكبرى للمرتبة 254 في اخر تقييم لمستوى الشفافية لسنة 2019 رغم ماتملكه من إمكانيات ضرورية تخوّل لها بعث موقع باب محترم و محين و فيه المعلومات المطلوبة، حسب قوله

وشاطر  بلال مناعي راي الأستاذ عصام بن حسن في عدم ملاحظة اي تحسن يذكر على مستوى الخدمات البلدية بولاية صفاقس، واصفا الوضعية في بلدية الصخيرة بالمتازمة و محملا  السلطة المركزية مسؤولية تواصل الاشكال لاكثر من عامين و تاثيراته على جودة الخدمات البلدية بهذه المعتمدية

كما ارجع بلال مناعي تعثر مسار اللامركزية في تونس عموما و في صفاقس على وجه الخصوص، الى التجاذبات السياسية بين الأحزاب و أعضاء المجالس البلدية  و عدم ايلائه العناية الضرورية و اللازمة من طرف الحكومة الحالية، متابعا 'يبدو هذا الامر جليا خلال ازمة الكورونا حيث نلاحظ نقصا من اعتراف الحكومة بدور البلديات و التعامل معها و عدم سد النقص في الحاجيات المالية و البشرية للبلديات'

تعدد المشاكل في بلديات صفاقس تسبب في تردي الخدمات البلدية بانواعها و في اهتزاز ثقة المواطن في المجالس البلدية المنتخبة، فهل يتم تنقيح القانون الانتخابي و تعديل بعض فصول مجلة المحلية و اتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة بإعادة ثقة المواطن في المجالس البلدية التي انتخبها؟...في انتظار ذلك تتواصل معاناة المواطن

فؤاد مبارك