رأي: الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص او المسكنات حتى لا تنجز المشاريع في صفاقس
وفي محاولة لتحقيق تلك المشاريع مارست الجهة عبر بعض الشخصيات او المجتمع المدني المتأصل فيها دورا كبيرا في الضغط على الحكومات لإنجاز تلك المشاريع ورغم كل ذلك بقي الوضع على حاله إن لم نقل ازداد سوءا رغم الخطابات السياسية للسلطة.
لقد تعددت التعلّات التي قدمتها الحكومات المتعاقبة لعدم انجاز تلك المشاريع. وقد ظهر في السنوات الأخيرة مصطلح جديد هو الشراكة بين القطاعين العام والخاص كحلّ امثل لانجاز المشاريع باعتبار أن ميزانية الدولة غير قادرة على القيام بذلك نظرا للظروف التي تمر بها البلاد و بالعودة إلى التوجهات الاقتصادية التي اعتمدتها حكومات ما بعد الثورة .
ديناميكية المدينة ومخططات الحكومات او عدم التناسق
سجلت جهة صفاقس في بداية سنة الألفين تقهقرا كبيرا في مؤشر التنمية حيث تدحرجت من المرتبة الثانية إلى الثامنة لأسباب سياسية بامتياز. ورغم ذلك واصلت القوى الفاعلة المطالبة بوجوب التدخل لفائدة الجهة . كيف لا والجهة تعاني من عدة مشاكل بيئية وعمرانية كانت لها ارتداداتها على نوعية الحياة في الجهة مما دفع العديد من المستثمرين من أبناء الجهة ونخبها وشبابها الى الهجرة إلى أماكن أخرى للاستثمار والاستقرار. وفي المقابل لم تتمكن الأنشطة الصناعية والدورة الاقتصادية التي قامت على الخدمات بالجهة من استيعاب اليد العاملة الوافدة على الجهة بعد الصعوبات التي دخلت فيها اثر انخراط تونس في اتفاقية التجارة الدولية والاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وفتح المجال الاقتصادي امام العولمة . وهكذا تدهورت الأوضاع الاجتماعية بالتوازي مع الأوضاع الاقتصادية .
وعود زائفة
لقد مثلت الانتخابات الرئاسية والتشريعية وخاصة ما بعد الثورة الحلبات التي تقدم فيها الوعود و تسابقت كل القوى السياسية لكسب ود الجهة باعتبارها خزانا انتخابيا و لتؤكد انها قادرة على تحقيق مشاريع الجهة ان هي فازت . وبالاطلاع على البيانات اللانتخابية لهذه الأحزاب منذ 2011نجد ان جلها تتوافق على أهم مشاريع الجهة وهي
انجاز مشروع تبارورة
انجاز الميترو
خلق مناطق لوجستية
استصلاح الوضع البيئي وجودة الحياة
إقامة محطة تحلية المياه
انجاز محطة متعددة الوسائط
تطوير مطار صفاقس
تطوير ميناء صفاقس
انجاز المدينة الرياضية
طريق سيارة قفصة سيدي بوزيد صفاقس
غلق مصنع السياب ..... وغيرها من المشاريع
رغم كل الوعود إلا تلك المشاريع بقيت في الرفوف ولعل مرد ذلك تواصل الخطاب القديم منذ الثمانيات وهو ان الجهة " لاباس عليها " وعليها أن تعوّل على أولادها. وهو خطاب لقي صداه حتى لدى البعض من أبناء الجهة وكأنها صاحبة القرار تتمتع باستقلال داخلي.
في المقابل حظيت جهات أخرى بمشاريع كبرى كشبكة النقل الحديدي بالعاصمة ومحاولة فرض مشروع ميناء المياه العميقة بالنفيضة بعد أن أقيم المطار على بعد اقل من 60 كلم من المطار المنستير وقد وقع التشبث بالنفيضة لإقامة ميناء المياه العميقة رغم التأثيرات السلبية الكبيرة المتوقعة للمشروع على البيئة وعلى المنطقة ككل ورغم وجود موقعين أخريين أكثر ملائمة لإقامة الميناء وهما الصخيرة وبنزرت .و برمجت طريق سيارة تنطلق من القصرين مرورا بسيدي بوزيد لربطهما بالنفيضة .
طرق جديدة للتسويف
في ذات الوقت تركت مشاريع صفاقس على الرفوف. وعندما أخرج البعض منها بضغط من المجتمع المدني او لحاجة انتخابية تم اعتماد سياسة خبيثة تتمثل في القبول المبدئي والتراخي في الإنجاز فعديد تلك المشاريع التي قدمتها الجهة لم تدرج في المخطط16 -20 والبعض الاخر المدرج مازال ينظر اما انجاز الدراسات او البحث عن التمويل او يشهد تعطلا في التنفيذ .
ولتبرير الرفض المقنن لتلك لمشاريع وقع الاعتماد على تسويق خطاب جديد في ظاهره موضوعي وفي باطنه تأجيل إلى تاريخ غير مسمى من خلال إطلاق تمشي Appel à manifestation d’intérêt وتم اعتماده لمشروع تبارورة ومؤخرا للمنطقة اللوجستية بقرقور
ان المطلع على هذا التمشي يعتقد انه الأفضل حاليا في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد لإنجاز المشروعين . وان هناك نية فعلية لذلك إلا ان العكس هو الصحيح . فهو يمثل طريقة للتأجيل والتسويف وما الطلب الأول والثاني غير المجديين لمشروع تبارورة احسن دليل بعد خسرنا اكثر من عامين من الزمن .
فكيف يقبل المستثمر على مشروع ليس له مثال تهيئة ولا تتوفر فيه أدنى التجهيزات الأساسية من طرقات وشبكات التنوير والمياه والصرف الصحي وشبكة طرقات وفي ظل عدم جدية الحكومة في تطبيق قراراتها المتعلقة بالعناية بالمناطق المحيطة بالمشروع من حيث التهذيب والاستصلاح . بمثل هذه الرسائل تؤكد الدولة تخليها عن واجباتها .
فهل بعد هذا سيُقبل المستثمر على هذا المشروع في ظل سعر ضخم للأرض وكأني بالدولة مضارب عقاري فيحيت أن المشروع هو تعويض لضرر أصاب المدينة بفعل التلوث وماهي التشجيعات التي ستدفع المستثمر الى القدوم الى صفاقس والسلطة لها مشاريع أضخم في العاصمة .
ومثلما كان الشأن Appel à manifestation d’intérêt لمشروع تبارورة خرج علينا بعض الوزراء مؤخرا بخطاب يقدم الشراكة بين القطاعين العام والخاص كطريقة مثلى لانجاز هذه المشاريع مثل المدينة الرياضية ومشروع المترو والمحطة متعددة الوسائط وهو أيضا خطاب يعّد احد المسكنات التي تقدم لمواطني صفاقس للتنصل من الإنجاز .واجزم انه مسكن باعتبار التصريحات التي جاءت على لسان وزير النقل لما تحدث عن مشروع المترو مؤكدا انه غير ذي جدوى وسيعمل على البحث عن إمكانية إنجازه في نطاق شراكة بين القطاعين العام والخاص.
فهل يعقل ان يقبل القطاع الخاص على الاستثمار في مشروع غير مربح ؟
يبدو ان تصريح الوزير إما أن يكون خطأ اتصاليا او قناعة راسخة تقوم على مثل شعبي يقول " اللي ماعندك ما تعطيه او عدو يفرح" وفي المقابل وان صدقنا التوجه الحكومي للبحث عن شراكة بين القطاعين العام والخاص لانجاز مشاريع صفاقس المعطلة هناك مجموعة من الأسئلة التي من الواجب طرحها والإجابة عنها قبل تسويق مثل هذا الخطاب .
هل هناك نموذج ناجح لشراكة بين القطاعين العام والخاص في تونس يمكن الاعتماد عليها لتسويق هذا التوجه ؟
وهل التشريعات الموجودة حاليا تشجع على مثل هذه الشراكة ؟
وهل في عدم إقدام الحكومة على خوصصة بعض المؤسسات العمومية التي تشكو صعوبات كبيرة رسالة إيجابية للمستثمرين ?
كيف تجعل المستثمر يثق في الدولة التونسية في أوضاعها الحالية ?
قد يقدم البعض مشروع البحيرة كنموذج نجاح للشراكة بين القطاعين العام والخاص وحسب رأيي المتواضع فان مشروع البحيرة لا يمكن ان يكون المثال فالمشروع جاء كهدية من الشيخ صالح كامل للزعيم بورقيبة في ظروف معينة وأقول هدية باعتبار أن أولى المرابيح لم تقد إلا بعد ثلاثين سنة من انطلاق المشروع .
خارطة طريق
بالعودة إلى مشاريع صفاقس وأهمها وأكبرها مشروع تبارورة وفي انتظار إصدار مثال التهيئة التفصيلي قريبا والذي كان يعد احد العقبات وفي غياب نموذج يقع الاعتماد عليه في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص فان القائمين على مشروع تبارورة مدعوون الان إن هم فعلا تريدون ان يتحقق المشروع ان يعدّو بالتعاون مع عديد المؤسسات العمومية والخاصة داخليا وخارجيا تصورا للشراكة بين القطاعين العام والخاص لانجاز المشروع او على الأقل احد أجزائه وذلك عبر حوار مع كل الفاعلين.
اما بخصوص المنطقة اللوجستية بقرقور فان التمشي المعتد حاليا لن يكون ذي جدوى هو أيضا ما دامت الدولة متنصلة من مسؤولياتها وهو ما ينطبق على كل مشاريع وزارة النقل بالجهة بداء بالمترو ومرورا وبالمحطة متعددة الوسائط وإحياء المطار وصولا إلى انجاز ميناء الصخيرة .هناك مجموعة من القرارات و الإجراءات البسيطة التي يمكن الإعلان عنها لتؤكد الدولة أنها فعلا مهتمة بالانجاز.
وفي وثيقة تنسيقة البيئة والتنمية التي أرسلت مؤخرا إلى رئاسة الحكومة وبعض الوزارات تصورات تختزل مطالب الجهة وتساعد على الدفع بهذه المشاريع .
والسؤال هل ان الحكومة جادة في التخلي عن سياسة التسويف؟
كاتب المقال La rédaction