رأي: قيس سعيد.. في أسباب تآكل شعبيته
أولا: إذا استثنيا مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة ومدير عام الصحة العسكرية الفريق طبيب مصطفى الفرجاني لا نعرف صفات الحاضرين وما هي المسؤوليات التي يتحملونها. اين رئيس الحكومة وأين وزير الخارجية وأين وزير الصحة وأين رئيس الجنة العلمية وأين رئيس لجنة التلاقيح هؤلاء بصفاتهم مسؤولون ويمكن لهم تطبيق القرارات المتفق عليها ثم لماذا بالخصوص رئيس الجمهورية يرفض اجتماع مجلس الأمن القومي وهو المؤسسة الوحيدة التي يمكن لها أن تتخذ القرارات وتعمل على تطبيقها. نعرف جميعا أن رئيس الحكومة طلب عقد اجتماع مجلس الأمن القومي ولم يستجب قيس سعيد لذلك. فماذا يعني هذا التصرف هل هو فيتو آخر لرئيس الجمهورية حول جهاز رسمي ومؤسسة من مؤسسات الدولة. وأتساءل مرة أخرى لماذا لا يعقد رئيس الجمهورية اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء يتراسه بنفسه وهو ما يسمح به الدستور.
ثانيا: قيس سعيد يشير إلى أسباب سياسية ويحملها الوضع المتردي الذي بلغته البلاد في المجال الصحي ولكنه ينهى عن شيء ويأتي مثله فهو يقوم باستعمال نفس الطرق السياسية سعيا لتعفين الأوضاع حتى يبين أن الحكومة وبقية الأجهزة وربما يعني المجلس النيابي هي المتسببة في هذا الوضع. لكن الواضح لكل صاحب بصيرة أنه يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لأن الوضع الصحي وقضية الكورونا مسالة أساسية تندرح ضمن صلاحيات الأمن القومي وهي دستوريا من المسائل الراجعة بالنظر لرئيس الجمهورية فضلا على أن الدور الاعتباري لرئيس الدولة يجعل منه صاحب المسؤولية الأولى. النظام السياسي في تونس يشبه لحد ما النظام السياسي الفرنسي حيث رئيس الحكومة مسؤول أمام البرلمان ولكن ذلك لم يمنع الرئيس ماكرون من يكون في المقدمة في مسالة مواجهة الكورونا وكان يجمع اسبوعيا مجلس الدفاع وهو شبيه بمجلس الامن القومي عندنا الذي تتخذ في إطاره القرارات والإجراءات التي يقوم شخصيا بتفسيرها او يكلف الوزير الأول بذلك.
ثالثا: قيس سعيد يحدثنا كل مرة على طرق جديدة في التعامل مع الأوضاع وكأننا سنكتشف العجلة من جديد العالم وتونس اشتغلت وسارت قبل قيس سعيد وستواصل بعده والطرق تختلف ولكن لا تهم فالمهم في السياسة هي النتائج التي تأتي عن طريق المعالجة الصحيحة والحوكمة الرشيدة ولا يهم الناس ان تكون الطرق قديمة أو مستحدثة و الواقع أننا في العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين لم يعد أي شيء جديدا او مستحدثا ولا اظن ان قيس سعيد الذي لا يؤمن بالتكنولوجيا الحديثة ولا يتحكم في تطوراتها يمكن ان يتصور طرقا جديدة أو مستحدثة بل إن أفكاره وتصوراته غارقة في القدم والدليل على ذلك أنه يريد ان يعود بنا إلى دستور 1959 الذي انتهى أمره وأصبح من الماضي ننتظر منه أفكارا وتصورات مستحدثة في المجال الدستوري لتكسير "الأقفال" التي تحدث عنها ولكنه عاجز عن ذلك
رابعا: من بين الأفكار تقسيم البلاد إلى أقاليم لمواجهة الجائحة والدستور يتضمن تقسيم البلاد إلى أقاليم ولكن لا شيء تم القيام به من ناحيته في هذا الباب كما ان من المفروض القيام بانتخابات للمجالس الجهوية وهو موضوع معلق كذلك كان يمكن لرئيس الجمهورية أن يحركه ذلك أننا اقتربنا من الانتخابات البلدية المقررة ل2023 ولكن لم نقم بإحداث المجالس الجهوية ولم نضبط طريقة انتخابها فضلا على أن هيئة الانتخابات انتهت عهدة ثلث أعضائها منذ أكثر من سنة بمن فيهم رئيسها ولكن لم يقع حتى مجرد التفكير في الانتخاب الدوري ومن دور رئيس الجمهورية أن يهتم بهذه المسائل الجوهرية خاصة وأنه يسعى إلى بناء مؤسساتي ينطلق من القاعدة إلى القمة.
خامسا: منذ انتخابه وتوليه مسؤولياته لم يتقدم قيس سعيد باي مبادرة لا قانونية ولا دستورية واكتفى ببعض المشاريع الهلامية غير القابلة للتنفيذ كمدينة الأغالبة الطبية بالقيروان وخط القطار السريع بين بنزرت وبنقردان وقد اكتفى بخطابات انتقادية لعمل الحكومة ولبقية المؤسسات الدستورية كما كان معطلا لسير دواليب الدولة من خلال رفض تركيز المحكمة الدستورية ووضع فيتو للتحوير الوزاري إن كان يأمل عن طريق ذلك من المحافظة على زخم الشعبية التي تحصل عليها فإنه مخطأ ذلك أن تصرفاته "السياسية" بالأساس وخطاباته التي تعودنا بها و لا طائل من ورائها جعلت هذه الشعبية تتآكل ولن يأتي عام 2024 إلا وتصبح أثرا بعد عين وقد بدا العد التنازلي كما تبين ذلك في البارومتر الشهري لسيغما كوناسي-المغرب حيث فقد سعيد المرتبة الأولى للشخصيات التي تحظى بثقة المستجوبين لأول مرة منذ سنتين.لله في خلقه شؤون
بقلم الاعلامي رؤوف بن رجب