رأي.. شعبوية بشعبوية
أمّا أنت سيّدي النّائب المثير للجدل ... فتصويرك للمجتمع الإسلامي زمن النبيّ الأكرم والصّحابة والتّابعين وتابعيهم كأنّه زمن ملائكيّ طاهر نقيّ فيه عدم إلمام بالتّاريخ ... كان البغاء على زمن النبيّ وجاءه البغايا يشتكين من الإكراه ونزلت فيهنّ آية كريمة تدعو إلى عدم إكراههنّ على البغاء إن أردن تحصّنا، وكان الزنى في عهده والأمّهات العازبات كذلك،
عندما جاءته الغامديّة تطلب العقوبة للتطهّر أشاح عنها بوجهه مرّات لعلّها تُعرِض عن ذلك وتستر نفسها وقد كانت حاملا، ولمّا أصرّت طلب منها أن تذهب حتّى تضع مولودها لعلّ قلبها يتعلّق به فتتراجع عن طلبها، أتته بعد زمن وهي تحمله بين ذراعيها فقال لها اذهبي حتّى تفطميه لعلّ قلبها يحنّ وتؤثره على العقوبة، فعادت إليه وهو يحمل الرّغيف في يده، فأقام عليها الحدّ جريا على التشريعات السّائدة قبل نزول آية الجلد ... ثمّ عاتب من لعنها وقال لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ورفض تعييرها وصمها بأيّ صفة ترذيل ... ودعا إلى درء الحدود بالشّبهات ما استطاع أهل القضاء وقال " لأن يخطئ أحدكم في العفو ألف مرّة خير له من أن يخطئ في العقوبة مرّة "، فهل يستفاد من هذا أنّ النبيّ كان يؤثر التّسامح مع الزّنى والأمّهات العازبات ؟
سيّدي النّائب ...
المنظومة الحقوقيّة في فلسفتها لا تشجّع على الإنجاب خارج إطار الزّواح ولكنّها تحمي من وقعن في ذلك طوعا أو كرها أو جهلا من مصير محتوم كان واقعا اجتماعيّا بائسا لازال كثير من النّساء يعشنه في دول عربيّة وإسلاميّة أخرى ، لا زالت العائلات والعشائر تقدم بإرادة وتقرير وتخطيط وعمد وإصرار وترصّد على ارتكاب ما يسمّى بجرائم الشّرف لغسل العار الذي لحق العائلة جرّاء ذلك فتقتل المرأة وتقتل وليدها، وقد تقتله أمّه نفسُها حتّى لا يفتضح أمرها فتخنقه بأصابعها وتلقي به في مجرى الماء أو مصبّ النّفايات المنزليّة، وإذا رقّ له قلبها قد تضعه أمام باب مسجد أو أحد بيوت الفضلاء لترقبه عن بعد مفطّرة القلب ...
سيّدي النّائب
قتل النّساء الخاطئات في تشريعات بعض الدّول في إطار جرائم الشّرف ظرف تخفيف لمعاقبة مرتكبيها ... بينما التّشريعات القائمة على منظومة الحقوق الكونيّة ضامنة لحماية من زلّت بهنّ القدم من هذا المصير البشع والمشؤوم ... وحماية الولدان المتأتّين من هذه العلاقة غير المشروعة والقانون التّونسي ومجلّة الأحوال الشخصيّة تضمن لهم الرّعاية الصحيّة وإثبات النّسب ومرافقة أمّهاتهم أو الإيواء بدور الرّعاية أو الكفالة ... وحمايتهم وامّهاتهم من الوصم ...
سيّدي النّائب
عملت لمدّة قصيرة في جمعيّة تونسيّة محترمة تهتمّ بالأمّهات اللاتي أنجبن خارج إطار الزّواج ورأيت مآسي المجتمع التي لا تعالج بالتّجريم والعقوبة بل بإصلاح وعي النّاس ومصالحتهم مع قيمهم ... رأيت من لفظتهنّ العائلة واختفين وهمن على وجوههنّ وهنّ يحملن جنينا لا ذنب له بدون سند مادّي أو معنويّ إلّا المترصّدين من شبكات الدّعارة والجريمة المنظّمة ...
لقد دعا الإسلام إلى السّتر على أهل المعاصي وعدم وصمهم وقال القدامى " الشارع الحكيم متشوف إلى لحوق النّسب وإلى السّتر على الأعراض " وهذا ممّا يلتقي فيه مع قيم المنظومة الدوليّة لحقوق الإنسان،
سيّدي النّائب
دور المسنّين ليست دائما رمزا للعقوق ولفظ الوالدين كما تصوّر بعض المسلسلات والبرامج التّافهة بل هي رمز لكفالة الدّولة لفاقدي السّند ومصدر العيش من كبار السنّ بقطع النّظر عن وضعهم العائليّ وقد شهدت الحضارة الإسلاميّة هذا النّمط من دور الرّعاية والحماية والتّكايا وهو مظهر من مظاهر الرّعاية والكفالة الاجتماعيّة التي تؤمّنها الدّول والمجتمعات الأهليّة ...
سيّدي النّائب
وضعتُم مجلّة الأحوال الشخصيّة مقابل شرع الله وهذا خطأ علميّ توثيقيّ منك فهذه المجلّة مصدرها الفقه الإسلامي بنسبة تفوق التّسعين بالمائة وصادق عليها شيخ الإسلام وقتها قبل أن تقع فيها تعديلات ليس المقصود منها استعداء القيم الدّينيّة بل دفع ما عمّت به البلوى من قبيل قول الفقهاء " يحدث للنّاس من أقضيّة بقدر ما أحدثوا من فجور " ومع ذلك لا نراها مقدّسة وهي قابلة للتّعديل في اتّجاه المزيد من إحقاق حقوق الأسرة بكلّ أفرادها لا النكوص إلى الوراء ...
سيّدي النّائب
لقد شهدنا نفس هذا الخطاب الأخلاقي العاطفي زمن بدايات التيّار الإسلامي في تونس لكن بمجرّد خروجهم من قوقعة الحلقات الدّعويّة التي تصوّر دولة الإسلام التي كانوا يبشّرون بها مدينة فاضلة ملائكيّة ، اختلطوا بالواقع واكتشفوا تعقيداته وسطحيّة التّقسيمات الحديّة المعياريّة والفرز الأخلاقويّ ...
سيّدي النّائب
لسنا نحن وهم بل جميعنا في نفس مركب الواقع الذي لا يسير وفق مساطرنا الأيديولوجيّة والأخلاقيّة النّمطيّة ... ونحن ملزمون بالتّفاعل معه وإصلاحه ...
نعم سيّدي النّائب هناك متاجرون بقضيّة المرأة ... لكنّك أهديتهم ما به تنتعش تجارتهم وتنتشر بضاعتهم ...
بقلم: سامي براهم